اليتامى في حكمه أن يصلح حرثهم وعنبهم بما قد أخذ من الثمن قبل خراب الحرث والعنب وينفقه ويرده عليه ، ولو مدوا أيديهم لطلب الصدقة ، وبدت منهم في تلك السنة الخصاصة والحاجة ، حتى يصلح عنبهم إذا رد فيه ما احترق من خشبه ، ويصلح أرضهم إذا عمرت ، فتغل أرضهم وعنبهم في كل سنة من بعد صلاحه ما يعيشون به ، ويرجع نعيمهم إذا رجعت عليهم (٥٣٦) ، ويكمل حسن حالهم لصلاح أموالهم ، أم تترك أرضهم وعنبهم خرابا ، ويخليها فاسدة يبابا ، وينفق الغلة التي انفقها في صلاح مالهم عليهم فيأكلونها سنتهم ، ويهلكون في طول عمرهم ، إذ قد خربت أموالهم؟
فإن قلت : ينفق عليهم هذه الغلة فتخرب أموالهم. فقد قلت قولا شططا ، وحكمت في ذلك بغير الحق حكما ، إذ لم تحسن لها ولا الأيتام نظرا ، ومن لم يحسن النظر لأيتامه فقد باء عند الله بغب آثامه ، وشهد عليه جميع الرجال بالقول الفاحش والمحال.
وإن قلت : بل يعمر ضياعهم ، ويحيي أموالهم بهذه الغلة اليسيرة ، ليلحقوا بذلك في أموالهم المعيشة الكثيرة الدائمة الكافية الغزيرة ، فقد أصبت في قولك ، وقلت حقا في حكمك ، وفعلت ما يصوّبك فيه الجهلاء فضلا عن أهل العقول من العلماء.
فإذا قلت بذلك من الحق وتكلمت فيه بقول الصدق ، فكذلك فقل في فعلنا في بلاد رعيتنا ، ومواضع ضعفتنا ، ألا ترى أنا لو قسمنا هذه الزكاة على أهلها في وقت الحاجة حاجة الإسلام والمجاهدين إليها ، ونزول الخصاصة بالمدافعين عن أهلها ، فافترقوا عنّا ، وانتزحوا من قربنا فوقع الضعف على الإسلام والمسلمين بما وقع من الخصاصة بالمجاهدين ، وقوي بذلك أهل الضلال من المضلين ، ففسد أمر الرعية واختلفت أحوال البرية ، ووقع الضياع عليهم ، وكثر الجياع ، واختلفت أمورهم ، وساءت أحوالهم ، وشحّ بالمعروف أغنياؤهم ، فهلك لذلك فقراؤهم ، وخافت سبلهم ، وخربت أموالهم ، وظهرت عليهم أعداؤهم ، وإن نحن رددنا زكاة الأمصار على المجاهدين والأنصار دون أهلها من هذه الأصناف المذكورة ، ووقت ما ينزل بالمجاهدين الحاجة والضرورة ، قوي الحقّ ، وضعف
__________________
(٥٣٦) في (ب) : غلتهم.