أداء حجج الله ، واستدراك الدليل على الله ، كما كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليستدرك بأصل حجة عقله من أداء فرضه ... فكذلك نقول : إن أبا جهل قد كان يستدرك وينال بأقل قليل عقله أكثر مما افترض عليه من دينه ، وفوق ما يحتاج إليه من الدلائل (٥٥٢) على معرفة ربه. فقد كان فيما أعطاه الله من أصل الحجة ، وثبت فيه من العقل لأداء الفريضة ، وفي الاستدلال إن استعمل عقله بالغا بعقله ما كان يبلغ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بما أعطى من مبتدأ حجة العقل من المعرفة بأداء فرض الله ، والوقوف على دين الله ، الذي لم يرض من العباد إلا بأدائه.
ولو لا أنه قد ساوى بينهم فيما ينالون به معرفة ما افترضه عليهم ، وأداء حججه (٥٥٣) التي احتج بها عليهم ، ما كانت تجب له عليهم حجة ، ولكن الله عزوجل أعطى كلا ما ينالون به أداء حجته ، فساوى بينهم في إقامة الحجة عليهم ، وإثبات البراهين في صدورهم بما يبلغون به فرضه ، وينالون به معرفته.
فإن كنت أردت هذا المعنى ، فقد ساوى الله بين الخلق (٥٥٤) كلهم ، فيما يكون به بلوغ حجته ، وتمام منته ، ونهاية أداء فرضه من العقول المركبة في صدورهم الثابتة في قلوبهم ، وأثبت بذلك عليهم كلهم حجته لأن العقول المركبة فيهم من هذه الحجج اللازمة لهم من فعل الله لا من فعلهم ، ومن صنع الله عزوجل لا من صنعهم ، وتدبيره جل جلاله لا من تدبيرهم ؛ فمبتدأ ما أعطاهم الله من حججه منه لا منهم. فلما أن صح أن هذه العقول المركبة في الخلق فعل الله ، كان فعل الله في ذلك مشتبها ، وكان تدبيره في إثبات الحجج عليهم متساويا ، فاشتبهت وتساوت حجج الله على خلقه ، التي ركبها في صدور عباده ، بعدله فيهم وإحسانه إليهم في مبتدأ أمرهم ، كما استوت عليهم فروضه ، ووجبت عليهم شرائعه ، ولزمتهم بها عبادته. فكانت أصول ما أعطاهم من حججه فيهم سواء كما كانت
__________________
(٥٥٢) في (ب) الدلالة. وفي (ج) : الدليل.
(٥٥٣) في (أ) : حجته.
(٥٥٤) في (أ) : خلقه.