أعطاه أكثر من حاجته ، وثبت في صدره من وافر حجته ، ما بأقل قليله يؤدي إليه ما ألزمه من فرضه ، مثل رجل له غلامان ، فدفع إلى أحدهما شمعة كبيرة متوقدة ، ودفع إلى الآخر شمعتين ، ثم قال لهما : يحرق كل واحد منكما بيتا من حشيش بما معه من النار.
فإن قال صاحب الشمعة : أعطيتني شمعة واحدة ، وأعطيت صاحبي شمعتين ، ثم ساويت بيننا في إحراق الحشيش ، فقد ظلمتني في ذلك وجرت علي أن كلفتني مثل ما كلفت صاحبي ، وقد زدته شمعة على شمعتي.
هل ترى أيها السائل هذا القائل صاحب الشمعة الواحدة صادقا في قوله ، أو مصيبا في لفظه ، أو ترى له حجة على سيده ، وقد أعطاه من النار ما بأقل قليله يحرق بيوتا كثيرة؟
فإن قال : قد كان العبد في ذلك مصيبا ، وبالحق محتجا ، والسيد له ظالم ، وفي تكليفه له غاشم ، حين كلفه من الإحراق مثل ما كلف صاحبه ، وقد أعطى صاحبه شمعتين ، وأعطاه شمعة واحده ، كان في قوله ذلك محيلا ، وعن الصواب عادلا ، ولم يقل من ذلك حقا ؛ لأن قليل النار يأتي من إحراق الحشيش على ما يأتي كثيرها (٥٥٩) ، ويتفرع منها من الالتهاب عند احتراق الحشيش ما لا يكون لصاحب ثنتين ولا ثلاث ولا أربع فضل في عمله على صاحب الواحدة وفعله ، وكل ينال بما أعطى أكثر مما كلف وأعطي.
فإن (٥٦٠) قال : لا أرى لصاحب الشمعة الواحدة على سيده حجة في دفعه إلى صاحبه شمعتين ؛ لأن المكلف به الذي كلفهما إياه ينال بأقل من واحدة.
فلذلك قلنا : إنه لا حجة لصاحب الواحدة على سيده ، وصاحب الواحدة ظالم لسيده غير محتج بحق على مالكه ؛ لأنه قد ساوى بينه وبين صاحب الثنتين ، فيما دفع إليه من النار ، التي بأقل قليلها ينال من إحراق بيوت كثيرة ما ينال صاحب الثنتين والثلاث والأربع لو كان.
فإذا قال : بالحق ورجع إلى الصدق.
__________________
(٥٥٩) في (ب) : عليه.
(٥٦٠) في (ب) و (ج) : وإن.