وصفناه : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء : ٨٥] ، فلم ينبه عليهالسلام ، ولا (٥٦٧) إياهم في علم الروح وصفته على غير ما ذكرناه من نعته. وقال : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ، يقول : من فعل ربي وتدبيره وخلقه وصنعه ، والشاهد له بالحكمة ، ولم يصف الروح بغير ما وصفنا ، ولم يستدل عليه بغير ما دللنا.
وليس في نعت ذلك لأحد حجة ، ولا لأحد إلى علم كيفيته حاجة ، وليس عزوب علم ذلك على الآدميين ، إلا كعزوب علم غيره من الأشياء ، مثل معرفة صورة ملك الموت ، وصورة مالك خازن النار ، وصورة إبليس وجنده ، فهم خلق من خلق الله ، قد اطلع على تكوينهم وتقديرهم وشكلهم ، ومثلهم من الملائكة والشياطين ، وحجب علم ما علمته أشكالهم من تصويرهم وتقديرهم عن الآدميين ، فليس من الآدميين خلق يصف ما ذكرنا بطول ولا عرض ، ولا جسم ولا لون ، فهؤلاء مخلوقون يصفهم بما ذكرنا شكلهم ، ويعرف ذلك مثلهم ، قد عجز عن وصفهم الآدميون ، وانحسروا عن تحديدهم ، وعجزوا عن شرح ألوانهم ، وهم خلق من خلق الله قد أظهره ، وفعل من فعله قد بينه ، لم يحجب عن أمثالهم منه شيئا ، ولم يستر عن أشكالهم منه جزأ ، عجز عقلك ـ وعقول أشكالك أيها السائل ـ عن صفتهم ، وانحسرت ونظراؤك عن تحديدهم ، وانقطعت وهم عن تقديرهم ، فكيف تريد أن تحيط بصفة ما ستر الله علمه ، وتقف على تحديد ما منع الله الخلق فهمه ، ولم يبين من علم كيفيته في نفسه قليلا ولا كثيرا للملائكة المقربين ، ولا للأنبياء المرسلين ، ولا لأحد من المخلوقين. هذا طلب منك للمحال ، وجري في ميادين الضلال ، وتشبث بفاسد من المقال. وقد وصفنا لك الروح وبيّناه بالدلائل التي بينه الله لنا بها ، وهدانا سبحانه إليها ، حتى عرفته بغاية المعرفة المفهومة ، واستدللت عليه بأدل الدلائل المعلومة ، التي دلتك على تحديده ، وأوقفتك على تقديره ، وشهدت لك على أثر صنع الله في تدبيره ، وأوضحت لك أنه فعل من الله مجعول ، وأنه مبعض معمول ، تضمه الأعضاء ،
__________________
(٥٦٧) لعله (ولا هم) إذا بني (لم ينبه) ، للمفعول أو (ولا أتاهم) إذا بني للفاعل والله أعلم. من هامش (أ). وقد ذكر النحاة أن ضمائر الرفع والنصب والجر قد ينوب بعضها عن بعض.