أعداء ، وأنه لن يعادي سبحانه مؤمنا تقيا ، ولن يباين بالمحاربة له عبدا زكيا. فصح عندنا بإباحة الله لدمائهم ، وافتراضه ما افترض على المؤمنين من جهادهم ، أنهم على غير ما ارتضى ، وأن فعلهم على خلاف ما أحب (٥٧٤) وشاء. ومن كان فعله على خلاف إرادة الله فليس من المؤمنين ، ومن كان اختياره غير ما اختار الله فليس من المتقين ، ومن ترك فرائض الله وسعى في ضدها من حرام الله فليس من المهتدين ، ومن كان كذلك فهو لله من العاصين ، ومن عصى الله وفسق في دينه ، وخالف أمره في نفسه أو غيره ، فلم يحكم في فعله بحكم الله ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو من الكافرين ، وفي ذلك ما يقول أحكم الحاكمين فيما نزل من الكتاب المبين : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) [المائدة : ٤٤] ، فأخبر سبحانه بالدلالة على الكافرين ، ووصفهم بالعدول عن شرائع الدين ، ومن عدل عن شرائع الدين ولم يحكم في فعله بحكم رب العالمين ، فهو في حكم الله عنده من الكافرين ، لا يسميه ذو عقل وبيان فيما أتى به من المعاندة لحكم الله من العصيان إلا بما سماه الله سبحانه من الكفران.
ومن الحجة في ذلك : أنا لم نجد أصل الكفر والشرك ـ من عبادة الأوثان ، وعبادة الشيطان ، وعبادة النجوم ، والأنصاب والنيران ، والدعاء مع الله إلها آخر ـ غير المعصية ، بل وجدنا هذه الأنواع كلها من المعصية لله سبحانه فيما صح عندنا أن من عبد من دون الله غيره أنه لم يعبده إلا بمعصية الله سبحانه ؛ لأن الله جل ذكره نهاه أن يعبد معه غيره ، فتعدى أمره فكان له عاصيا ، وكان بعصيانه له كافرا ، إذ نهاه أن يعبد معه سواه ، فعبد معه غيره.
وكذلك اليهود والنصارى لم نجد أصل كفرهم وشركهم إلا معصية الله في محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولو اطاعوا الله في محمد والتصديق بما جاء به من عند الله لكانوا مؤمنين ، فثبت عليهم الشرك لمعصية الله وترك طاعتهم لمحمد ، وهم بالله مقرون وله فيما أمر به عاصون ، فلما أن عصوه في أمره كانوا عنده كافرين ، وفي حكمه فاسقين.
__________________
(٥٧٤) في (ب) و (د) : ما أوجب.