باختلافهما متباينين ، ويكون أهلهما والفاعلون لهما أيضا مختلفين ، فيجب ما وقع لفاعل أحدهما من اسم وقع ضد ذلك الاسم لفاعل الصنف الآخر. والاسمان المتضادان فهو الإيمان والكفر ، وحيث شئت من هذين الصنفين فأوقع اسم الكفر ، فليس يقع معه اسم الإيمان ، وحيث وقع اسم الإيمان فلن يقع معه اسم الكفر ؛ لأن الاسمين مختلفان متضادان ، ولا يجتمعان في معنى واحد ، كما لا يجتمع ليل ولا نهار في حالة واحدة ، ولا حياة ووفاة على جسم واحد في حالة واحدة. فلا بد لمن سئل عن مثل هذا القول أن يقول الحق ، فيعلم أن الإيمان مع الطاعة ، وأن الكفر مع المعصية ، فيكون من أهل الحق ، ويرجع إليه ويعتمد عليه ، أو ينبذ الحق بعد وضوحه ، ويعاند الصواب بعد شروعه ، فيزعم أن من كانت فيه هذه الشروط المنكرة الفاحشة من معاصي الله والمحاربة له مؤمن بالله ، فيزعم أن الله حضّ على معاصيه ، ورضي بالمعصية لعباده ، وجعل العاصين المتكبرين على رب العالمين إخوة للملائكة المقربين ، وأنهم عند الله خيرة مصطفون ؛ لأن الله عزوجل يقول في كتابه : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات : ١٠] ، والأنبياء والملائكة إخوة للمؤمنين من الآدميين ، ومن زعم أن أهل المعاصي إخوة للملائكة المقربين ، فقد زعم أنهم صفوة الله وخيرته ، وأحباؤه وأهل ثوابه وسكان جنته ، ومن زعم أن الله أسكن جنته المحاربين له العاصين ، وأنه آخى بينهم وبين الملائكة المقربين ، فقد لزمه ووجب عليه في القياس والحق اللازم أن يقول إن الله باعد بين المطيعين العابدين من عباده القائمين القانتين ، الحاكمين بكتابه ، المحتذين بحذو أنبيائه ، وبين رسله وبين الملائكة ، فلم يجعلهم لهم إخوة بطاعتهم له ، وأنه يسكن أولياءه وأهل طاعته ناره ، ويصليهم جحيمه ، ومن قال بهذا ولزمه فقد خرج من حد الإسلام ، وصار عند الله من الجهلة الطغام ، وكان عند الله أولى بالعذاب ممن جعله الله من المؤمنين أهلا للثواب. فميّز رحمك الله ما قلنا ، واستعمل فكرك فيما ذكرنا ينجل لك بذلك الصواب ، وينكشف عن قلبك سجف (٥٧٥) الارتياب.
__________________
(٥٧٥) السجف : الستر. ا ه القاموس.