الجائزة عند الله مناكحته ، وأكل ذبيحته ، وقبول شهادته ، والاعتماد على قوله ، والركون إلى مصافاته ، فهذا العضد ، فمن لم يكن عند صاحبه على هذه الحال ، على حقيقة الفعل والمقال ، فليس له بعضد ولا كرامة له ، ولا ينتظمه هذا الاسم أبدا ، ولا يجوز له أصلا. فأما ما استعنت به في مهماتك ، وتقويت به واستعنت به في ساعات حاجاتك في إصلاح الإسلام والمسلمين ، وهايبت به من كان مثله من الظالمين ، واستعنت به على من هو أفجر منه وأنت له شاني ، ومنه متبري ، وبه غير واثق ، تكتمه أسرارك ، وتجمل لديه أخبارك ، لا تستحل له مناكحة ، ولا تأكل له ذبيحة ، ولا تقبل له شهادة ، ولا تأتم به في صلاة ، فكيف تكون له متخذا عضدا ، أو تكون له وليا مرشدا!! هذا ما لا يغلط فيه إلا الجهّال ، وإلا من أعمى الله قلبه من الرجال ، فهو يتكمه في عمايات الضلال ، يدعوا الليل نهارا ، والنهار ليلا ، والولي عدوا ، والعدو وليا ، ينحل كل واحد منهما نحلة ضده ، ويدعو كلا بغير اسمه.
وأما ما سألت عنه من استعانة المحقين بالظالمين في طاعة رب العالمين ، لمحاربة المحاربين فإنا لا نستحل غيره في مذهبنا ؛ لأن الاستعانة بالظالمين على من حارب الحق والمحقين واجب على المسلمين ، لا يسع أحدا تركه ، ولا يجوز رفضه ، إذا صار الإسلام إلى ذلك محتاجا ، وكان الحق إليه مضطرا ، إذا جرت عليهم أحكام الإمام ، ومن في عصره من خدم الظالمين وأعوانهم الذين استعان بهم في وقت حاجته لهم.
ونقول : إن فرض ذلك يجب من وجهين :
فأما أحدهما : فإنه لا يحل للإمام أن يقتل الإسلام ويضيعه ، ويمكن عدوه منه وهو يجد إلى غيره سبيلا ، وعلى إجابته معينا ، يجري أحكامه عليه ؛ لأنه إن امتنع من الاستعانة بهم في وقت ضرورته ، ظهر من هو شر ممن كره الاستعانة به على الإسلام فأهلكه.
والمعنى الآخر : فبيّن بحمد الله عند من عقل ، وهو أن يقال لمن أنكر الاستعانة بالظالمين : أيها الجاهل هل عذر الله أحدا ، وأطلق له ترك فرض من فرائضه ، أو أطلق له ترك إقامة طاعة من طاعته ، فاسقا كان المتعبد ، أو مؤمنا ، أو ظالما أو محسنا.
فإن قال : نعم! قد عذرهم الله في ترك فروضه ، وأطلق لهم في وقت فسقهم وظلمهم رفض شيء من حدوده.