فمتى كثرت جماعتهم تقووا بهم على باطلهم ، واستضعفوا المستضعفين من خلق الله ، وأمهل لهم ربهم وتركهم ، ولم يحل بينهم وبين من يظلمونهم ؛ إذ كلّ ظالم ، القوي والمستضعف ، وذلك قوله عزوجل : (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [الأنعام : ١٢٩] ، وقال : (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) [مريم : ٨٣] ، يقول : خليناهم عليهم ، كما قال : (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) [الإسراء : ٥٠] ، وكما قال النبي صلىاللهعليهوآله : «لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ، أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب ، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم ، حتى إذا بلغ الكتاب أجله كان الله المنتصر لنفسه ، فيقول : ما منعكم إذ رأيتموني أعصى أن لا تغضبوا فيّ.».
فمن هذه الجهة ترك الظالمين ولم يأخذهم ؛ لأن الرعية في ظلمهم وتظالمهم فيما بينهم أصناف :
فقوم يقولون على الله بالجبر والتشبيه ، وينفون عنه العدل والتوحيد ، وينسبون إليه عزوجل أفعال العباد ، ويقولون : إن هذا الذي نزل بهم بقضاء وقدر ، ولو لا أن الله قضى عليهم بهذا الظلم الذي نزل بهم من هؤلاء الظالمين ما إذا قدر الظالم أن يظلمهم ، غير أن هذا الظلم مقدر عليهم عند الله على يدي هذا الظالم. فإذا كانت معرفتهم هذه المعرفة ، وكان معبودهم الذي يزعمون أنهم يعبدونه هذا فعله بهم ؛ فمتى يصل هؤلاء إلى معرفة الخالق ، ومتى يدعونه ويستعينون به على ظالمهم؟ إنما هم يدعون هذا الذي يزعمون أنه قضى عليهم بهذا الظلم وقدره ، ولهذا يصلّون ، وله يصومون ويحجون ، وبه في جميع ما ينزل بهم من الظلم والجور والمصائب في المال والولد والبدن يستغيثون به على دفع هذه المضار والبلوى التي نزلت بهم. فهم يعبدون صورة مصورة ، وعلى هذا النحو أسلمهم ربهم ، وتركهم من التوفيق والتسديد ، وخذلهم ولم ينصرهم على ظالمهم ، وكيف ينصرهم على ظالمهم وهو المقدر لهذا الظالم عليهم الذي نزل بهم؟ فهو الذي يدعونه بزعمهم.
أما إنهم لو أنصفوا عقولهم ، وعرفوا الله عزوجل حق معرفته ، ونفوا عنه ظلم عباده ، كما نفاه عزوجل عن نفسه ، ثم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، ودعوا ربهم حينئذ على ظالمهم ؛ إذا لاستجاب لهم دعوتهم ، وكشف ما بهم من الظلم والجور ، وذلك قوله عز