لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما أسكر كثيره فقليله حرام.» ، وقال الله عزوجل : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) [البقرة : ٢١٩] ، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يتعاملون في الخمر والميسر فيربحون فيهما ؛ فقال لهم ربهم : (إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) ، فالخمر هو ما خامر العقل فأفسده ، والميسر فهو القمار كله ، من نرد أو شطرنج ، أو لهو ، ثم قال عزوجل : (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) [الأنعام : ١٤٥] ، والرجس ، والإثم في كتاب الله محرمان ، قال الله عزوجل : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً) [الأنعام : ١٤٥] ، فجعلها مثل الدم المسفوح ولحم الخنزير ، وقال : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ) [الأعراف : ٣٣] ، فذكر أن الإثم محرم ، فلما نزلت الآية على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في تحريم الخمر كان قوم من أصحابه يشربونه قبل التحريم ؛ فقالوا : يا رسول الله فكيف بصلاتنا وإخواننا الذين كانوا يشربون الخمر حتى ماتوا؟ فأنزل الله على رسوله : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا) [المائدة : ٩٣] ، يقول : ليس عليهم جناح فيما شربوا قبل التحريم إذا تركوه من اليوم وأقلعوا منه ، فكانت هذه الآية إلى آخرها معذرة للماضين ، وحجة على الباقين ، وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «حقيق على الله من ملأ جوفه في هذه الدنيا خمرا أن يملأه الله يوم القيامة جمرا إلا من تاب وآمن.» ، وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «جمعت الشرور في بيت ، ثم كان مفتاحه الخمر.».
وأما قوله سبحانه : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [النساء : ٤٣] ، يعني سكر النوم ، وذلك أن قوما من أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كانوا يصلون مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم صلاة العشاء (٤٤) ثم يجلسون ينتظرون العتمة ، فإذا جاءت العتمة قام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلي بهم ، فيقومون وراءه وليس هم يدرون ما يقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مما بهم من الغلبة والسكر والنوم ، فنهاهم الله عن الصلاة وهم في
__________________
(٤٤) يعني الأولى التي هي المغرب.