موصوفا قبل أن يخلق الخلق ، وقبل أن يكون أحد يصفه بها ، وقبل أن يصف هو بها نفسه ، وتلك الصفات زعم لا هي الله ولا هي غير الله فقد قال منكرا من القول وزورا.
ومن قال بهذه المقالة ، ثم زعم أن هذه الصفات لا هي الله ولا هي غير الله ، فقد أتى إثما مبينا.
ومن قال ليس لله علم ولا قدرة ، ولا سمع ، ولا بصر ، فقد جهل واجترى ، وقال مقالة الزور والفرى. ومن قال لا يقال لله علم ، ولا يقال ليس له علم ، فقد ضيع من الدين واللغة حظا نافعا. ومن قال علم الله هو الله ، وقدرة الله هي الله ، وسمع الله هو الله ، وبصر الله هو الله ، فقد قال في ذلك بالصواب.
ومن قال علم الله محدث أحدثه الله وفعل فعله ، وهو حركة والحركة زوال من مكان إلى مكان ، فقد افترى على الله الكذب. ومن قال لا يعلم الشيء حتى يقدره ، فإذا قدره علمه ، وكذلك من قال محال أن يعلم الشيء قبل أن يكون.
وكذلك من زعم أنه على العرش دون السماوات والأرض ، وأنه ليس في السماء ولا في الأرض ، ولكن علمه في السموات والأرض وفي كل مكان علمه ، وفي كل شيء علمه ، وعلمه معنا حيث ما كنّا ، وعلمه منّا قريب ، وهو إلينا أقرب من حبل الوريد. فأما الله فهو منّا بعيد ، لا أنه في موضع محدود ، وليس هو في سائر الخلق موجود. وكذلك من زعم أن له وجها حارا ، لو كشفه لأحرق ما أدركه بصره ، وأن له كفا محدودة ، وأصابع معدودة ، وأنامل باردة ، وساقا وقدما ، ولسانا وفما ، وكذلك من زعم أن له حدا ومقدارا ، وصورة من الصور وهيئة من الهيئات.
وكذلك من زعم أن الله تبدو له البدوات ، وأنه يريد أن يفعل الشيء ثم لا يفعله ، لنية تبدوا له فيه ، وأنه يخبر أنه سيفعل كذا وكذا ثم يبدو له فيه فلا يفعله فكل هؤلاء قد قال الكذب ، وقال ما لا برهان له به ، ولا سلطان ، فتعالى الله عمّا يقولون علوا كبيرا.