وأمّا تعبيره عن الأحكام الواقعيّة بالأحكام الإنشائية : فإن كان المراد من الحكم الإنشائيّ أنّه ما ليس بداعي البعث أو الزجر ، بل كان بداع آخر من الدواعي من الامتحان أو الإرشاد أو غير ذلك ، فالقول به مساوق لإنكار الحكم الواقعي من رأس ، فإنّ الإنشاء لو لم يكن بداعي البعث لم يكن طلبا في الواقع ، إذ الإنشاء بأيّ داع تحقّق يكون مصداقا لذلك الداعي ، فالإنشاء بداعي الامتحان مصداق للامتحان ، وبداعي الإرشاد مصداق للإرشاد ، وبداعي الاستهزاء مصداق للاستهزاء ، وهكذا.
وإن كان المراد منه ما يكون بداعي البعث أو الزجر ولكن لم يصل إلى المرتبة الفعليّة ـ كما هو الظاهر من تعبيره الثالث بأنّها أحكام فعليّة من بعض الجهات بمعنى أنّه لو علم بها لتنجّزت ـ فقد مرّ في بعض المباحث السابقة أنّ فعليّة الحكم تدور مدار فعليّة موضوعه وجودا وعدما ، وأنّ عدم فعليّة وجوب الحجّ بعد تحقّق موضوعه وفعليّته ـ وهو المستطيع ـ خلف ومناقضة ، كما أنّ فعليّة وجوب الحجّ بالنسبة إلى فاقد الاستطاعة ومن لم يتحقّق له زاد وراحلة خلف ومناقضة ، وقلنا : إنّ الحكم وموضوعه أشبه شيء بالمعلول وعلّته في عدم انفكاك أحدهما عن الآخر.
وعلى هذا فبعد ما جعل الشارع الحكم الواقعي على الموضوع المقدّر وجوده ، فإن كان عدم فعليّة هذا المجعول من جهة عدم وجود موضوعه بماله من الأجزاء والقيود التي من جملتها عدم قيام الأمارة على الخلاف ، فمعناه أنّ الأحكام الواقعيّة مختصّة بالعالمين بها ، وإن لم يكن ذلك دخيلا في موضوعه ومع ذلك لم يصر الحكم فعليّا عند قيام الأمارة ، فقد عرفت أنّه خلف ومناقضة.