أمّا أوّلا : فلأنّه لا معنى للتعبّد العقلائي في مورد من الموارد ، لأنّ العقلاء ليسوا مشرّعين ولا من الأنبياء والأئمّة حتى تجب علينا متابعتهم تعبّدا ، بل متابعتهم إنّما تكون لأجل بنائهم على العمل بالطرق الكاشفة عن المرادات الواقعيّة لا تعبّدا.
وأمّا ثانيا : فلأنّه لو سلّم التعبّد العقلائي في مورد في الجملة ، فليس المقام داخلا فيه قطعا. ولو تنزّلنا وقلنا : إنّه لا قطع بذلك ، فالشكّ في كونه موردا للتعبّد من العقلاء وفي كون أصالة الحقيقة حجّة كاف في عدم حجّيّته ، لما ذكرنا من أنّ الشكّ في الحجّيّة مساوق للقطع بعدم الحجّيّة.
الثالثة : أن يكون عدم إحراز الظهور من جهة عدم إحراز انتفاء المانع أيضا لكن لا من جهة الشكّ في مانعيّة الموجود ، بل من جهة الشكّ في أصل وجود القرينة والمانع ، والمراد هو القرينة المتّصلة ، والشك في وجودها تارة من جهة احتمال غفلة المخاطب عن استماع القرينة مع كونه بصدد التفهّم ، وأخرى من جهة أخرى سيجيء ذكرها.
أمّا الشك من الجهة الأولى ـ وهي احتمال الغفلة ـ فلا ينبغي الإشكال في أنّ العقلاء بنوا على عدم الاعتناء بهذا الاحتمال ، فيعملون على طبق المعنى الّذي يكون الكلام ظاهرا فيه لو لا القرينة واقعا ، كما في احتمال الغفلة في المتكلّم أيضا ، فالشكّ في القرينة المتّصلة من جهة احتمال غفلة المخاطب عن استماع القرينة وتفهّمه مع كونها مقرونة بالكلام واقعا لا يوجب الإجمال ، إنّما الكلام في أنّه هل البناء على المعنى الّذي يكون اللفظ ظاهرا فيه لو لا القرينة يكون ابتداء ـ كما ذهب إليه صاحب الكفاية (١) قدسسره ـ أو أنّه بعد البناء على عدم
__________________
(١) كفاية الأصول : ٣٢٩.