عندهم هو العمل بالعلم ، لا يلتفتون إلى شمول العامّ لها ، ولا تنتقل أذهانهم إلى ذلك حتى يرتدعوا بورود العامّ على خلافه ، فلا بدّ من التنبيه عليه بالخصوص ، كما فعل في القياس ، والمقام من هذا القبيل ، فإنّ العقلاء لا يرون العمل بالخبر المفيد للوثوق عملا بغير العلم حتى يرتدعوا بمجرّد نزول قوله تعالى : (لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) فلا تكفي الآيات للرادعيّة عن مثل هذه السيرة.
نعم ، لو لم تكن نسبة السيرة إلى العامّ نسبة الحاكم إلى المحكوم ، كما لو جرت السيرة على كذب الهزل وقام دليل على حرمة الكذب مطلقا ، يكفي نفس إطلاق هذا الدليل لرادعيّة السيرة الجارية على كذب الهزل ، ولا يلزم التنبيه عليه بالخصوص ، لأنّ كذب الهزل أيضا كالجدّ كذب عند العقلاء.
فظهر من جميع ما ذكرنا أنّ دلالة بعض الآيات والأخبار والسيرة العقلائيّة على حجّيّة الخبر الموثوق الصدور تامّة غير قابلة للإنكار.
__________________
(١) الإسراء : ٣٦.