أقول : هذا بعد الفراغ عن حجّيّة الاستصحاب ، فلا ينافي ما أفاده في بحث الاستصحاب من تقدّم العمومات والآيات الناهية عن العمل بغير العلم على السيرة العقلائية الجارية في العمل بالاستصحاب ، إذ لا يمكن التمسّك باستصحاب السيرة لإثبات حجّيّة نفس الاستصحاب ، بخلافه في المقام ، فإنّه لإثبات حجّيّة خبر الواحد بعد الفراغ عن حجّيّة الاستصحاب.
الثالث : أنّ المقام صغرى من صغريات بحث تقدّم الخاصّ زمانا على العامّ ، وقد ثبت في ذلك المبحث ـ أي العمل بالخاص ـ تقدّم الخاصّ على العامّ وتخصيصه به (١).
وفي كلا الوجهين نظر ظاهر ، فإنّ جريان الاستصحاب وبناء العامّ على الخاصّ المتقدّم يحتاج إلى إحراز إمضاء الشارع للسيرة قبل نزول الآيات ولو بساعة أو ساعتين حتى تكون السيرة حجّة وموردا لإمضاء الشارع في زمان ، فنستصحب حجّيّته إلى نزول الآيات ، أو نخصّص بها العامّ المتأخّر ، وأنّى لنا بإثبات ذلك.
نعم ، لو أحرزنا عدم الردع في أوّل زمان يمكن للشارع الردع ، يتمّ ذلك ، لكنّك عرفت أنّه لا طريق لنا لإحراز ذلك.
فالحقّ في الجواب أنّ يقال : إنّ السيرة لو كانت نسبتها إلى العمومات نسبة الحاكم إلى المحكوم ، فلا ريب في حجّيتها ما لم يردع عنها الشارع بالخصوص ولم يهتمّ بالنكير على العمل بها ، ولا يكفي مجرّد ورود عامّ على خلافها في ردعها ، وهذا كما في العمل بالظواهر والأقارير ، وذلك لأنّ العقلاء حيث لا يرون العمل بالظواهر والأقارير مصداقا للعمل بغير العلم ، بل العمل بها
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢٧٦ ـ ٢٧٧ و ٣٤٩ ، الهامش.