واستشكل صاحب الكفاية عليه : بأنّ دلالته تتوقّف على كون الورود بمعنى الوصول ، وهو في حيّز المنع ، فإنّه وإن كان استعماله فيه صحيحا إلّا أنّه خلاف الظاهر ، بل ظاهره هو الصدور.
ثمّ أورد على نفسه سؤالا وهو : أنّه يتمّ الاستدلال به بضميمة استصحاب عدم الورود والصدور.
وأجاب : بأنّه نعم إلّا أنّ الحكم بالإباحة في مجهول الحرمة وأنّه مطلق يكون حينئذ بعنوان أنّه ممّا لم يرد فيه نهي ، لا بعنوان أنّه مجهول الحرمة ، الّذي هو محلّ كلامنا (١). إلى آخر ما أفاده.
والظاهر أنّه لو جرى الاستصحاب ، لا نحتاج إلى التمسّك بالرواية ، بل نفس الاستصحاب كاف للحكم بالإباحة ، إذ لا معنى لعدم ورود النهي إلّا عدم صدور التكليف الإلزاميّ بالترك بناء على كون الورود بمعنى الصدور ، وهو عبارة أخرى عن الإباحة ، كما لا يخفى. ولكنّه يتّضح إن شاء الله في محلّه عدم جريان الاستصحاب في أمثال المقام.
واعترض عليه أيضا شيخنا الأستاذ قدسسره ـ بعد تسليمه كون الورود بمعنى الوصول ـ : بأنّ الرواية دالّة على أنّ الشيء بعنوانه الأوّلي مطلق ومرخّص فيه ما لم يصل النهي الصادر ، إلى المكلّف ، فمفادها أجنبيّة عن محلّ الكلام ، بل هو دليل على أنّ الأصل في الأشياء في الشريعة الإباحة حتى تثبت الحرمة (٢).
والتحقيق : أنّه لا مناص عن كون الورود بمعنى الوصول ، وعن أنّ المراد من لفظ «الشيء» هو الشيء المجهول ، وأنّ الرواية متكفّلة لبيان حكم مجهول الحرمة ، وأنّه مباح ظاهرا حتى يعلم بالحرمة الواقعيّة.
__________________
(١) كفاية الأصول : ٣٨٩ ـ ٣٩٠.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ١٨٢.