بيان ذلك : أنّه إذا كان المراد من الإطلاق هو الإباحة الظاهريّة ـ كما هو الصحيح ـ فلا معنى لكونها مغيّاة بصدور النهي واقعا ولو لم يصل إلى المكلّف ولم يعلم به ، فلا بدّ من جعل الورود بمعنى الوصول حتى يصحّ جعله غاية للحكم الظاهري بالإباحة.
وإن كان المراد من الإطلاق هو الإباحة الواقعيّة ـ كما ادّعاه شيخنا الأستاذ قدسسره ـ فكون الورود بمعنى الوصول أوضح ، إذ لو كان بمعنى الصدور ، يكون هذا الكلام من أبده البديهيّات ، سواء كان الإطلاق إخبارا عن الحكم المجعول في الشريعة أو إنشاء للحكم ، فإنّ معناه حينئذ أنّ كلّ شيء مباح واقعا ما لم يكن حراما ، ومرخّص فيه ما لم يمنع عنه الشارع ، وواضح أنّ كلّ أحد يعلم أنّ ما يكون مباحا في الشريعة أو جعل له الإباحة في زمان لا يكون حراما حتى يجعل الشارع الحرمة له واقعا ويمنع عنه ، وهو مساوق للقول بأنّ المباح ليس بحرام ، فلا ينبغي صدور مثل هذا الكلام عن الحكيم ، وهذا بخلاف ما يجعل الورود بمعنى الوصول ، إذ يستفاد من الرواية معنى صحيحا ، وهو : أنّ كلّ شيء مباح حتى يعلم بحرمته الواقعيّة. فعلى كلّ تقدير ـ سواء كان المراد من الإطلاق الإباحة الظاهريّة أو الواقعيّة ـ لا بدّ أن يكون الورود بمعنى الوصول ، فلفظ «الورود» وإن كان يستعمل في الصدور بل لعلّه الظاهر منه عند الإطلاق لكنّه في خصوص المقام يكون بمعنى الوصول ليس إلّا.
ثمّ إنّه لا يمكن أن يكون وصول النهي عن الشيء غاية لإباحته الواقعيّة ، ضرورة أنّ المباح الواقعي لم يرد فيه نهي واقعي حتى يصير حراما بوصوله إلى المكلّف ، فحكم الإباحة لو كان للشيء بعنوانه الأوّلي ، فلا حرمة واقعيّة له حتى يحكم بها حين وصولها إلى المكلّف ، فلا محيص عن كون لفظ «الشيء» في الرواية يراد منه الشيء بعنوان كونه مجهول الحكم ، وأنّ الورود بمعنى