فنقول : أمّا على ما اخترناه ـ وفاقا لشيخنا الأستاذ (١) قدسسره ـ من أنّ مفاد أدلّة اعتبار الأمارات هو جعل الطريقيّة والوسطيّة في الإثبات والعلم تعبّدا : فالانحلال واضح ، ضرورة أنّا على هذا نعلم علما تعبّديّا بأنّ مؤدّيات هذه الأخبار ـ المثبتة للتكاليف بمقدار المعلوم بالإجمال بل أزيد ـ أحكام واقعيّة ، فإذا عملنا بهذه الأخبار ، فقد امتثلنا التكاليف المعلومة لنا إجمالا بل أزيد ، فلا يبقى بعد ذلك علم بالتكليف.
فعلى هذا المسلك ، الشبهات البدويّة خارجة عن تحت دائرة العلم الإجمالي ، كما في صورة العلم الوجداني بمطابقيّة بعض الأخبار للواقع بمقدار المعلوم بالإجمال ، غاية الأمر أنّ الانحلال هناك وجداني وهنا تعبّدي.
وأمّا على مسلك جعل المنجّزيّة والمعذّريّة ـ كما ذهب إليه صاحب الكفاية (٢) ـ فقد استصعب شيخنا الأستاذ ـ قدسسره ـ ذلك ، نظرا إلى أن الأمارة على هذا منجّزة أخرى للواقع ، بمعنى أن لا عذر للمكلّف في مخالفتها على تقدير إصابتها للواقع كالعلم الإجمالي ، والمنجّز على المنجّز لا يوجب انحلال العلم ، فالمنجّزيّة الثابتة في باقي الأطراف بمقتضى العلم الإجمالي على حالها (٣).
ولكنّ الإنصاف أنّ العلم الإجمالي منحلّ على ذلك أيضا ، وذلك لأنّ تنجيز العلم الإجمالي إنّما يكون من جهة تعارض الأصول الموجودة في الأطراف ، أمّا إذا فرضنا في مورد لم تكن الأصول معارضة ، فلا يكون العلم الإجمالي منجّزا ، كما إذا علمنا إجمالا بعد الظهر بترك إحدى الصلاتين إمّا ظهر هذا اليوم أو صبح اليوم الماضي ، فإنّ أصل الاشتغال الثابت في أحد الطرفين
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ١٩٢ ـ ١٩٣.
(٢) كفاية الأصول : ٣١٩.
(٣) أجود التقريرات ٢ : ١٩٣.