الأستاذ (١).
وكلّها خلاف التحقيق إلّا الأوّل منها.
وأمّا الثاني : فلا وجه له إلّا توهّم أنّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة ، وهو فاسد ، فإنّ هذا كلام شعري لا يساعده دليل لا عقلا ولا نقلا في دوران الأمر بين المقطوع منهما فضلا عن محتملهما ، إذ كثيرا ما تقدّم المصلحة المقطوعة على المفسدة المقطوعة ، كما في إنقاذ الغريق المتوقّف على التوسّط في الأرض المغصوبة.
هذا ، مضافا إلى الالتزام بالإباحة ، وعدم الاعتناء بالمفسدة المحتملة فيما إذا كان طرفها الإباحة التي لا مصلحة فيها أصلا ، فكيف يعتنى بها فيما إذا كان طرفها الوجوب!؟
وأمّا الثالث ـ وهو التخيير الشرعي ـ فإن كان المراد منه هو التخيير في المسألة الأصوليّة من قبيل التخيير بين الخبرين ، فليس مدلولا لدليل ، ولا وجه له إلّا توهّم لزوم الموافقة الالتزاميّة ، وهو على تقدير تسليمه ـ لا يوجب الأخذ بأحدهما والفتوى على طبقه ، بل تتحقّق الموافقة الالتزاميّة بالالتزام إجمالا بالحكم الواقعي أيّا ما كان ، ولا يلزم الالتزام تفصيلا بل محرّم قطعا ، فإنّه تشريع محرّم ، ويشمله قوله تعالى : (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ)(٢).
وإن كان المراد منه التخيير في مقام العمل بأن يجب الفعل أو الترك ، فهو غير معقول وغير صادر من الحكيم ، فإنّه لغو محض لا فائدة فيه أصلا ، لعدم خلوّ المكلّف من أحدهما ، ولا يمكنه امتثالهما ، لامتناع اجتماع النقيضين ، ولا عصيانهما ، لامتناع ارتفاع النقيضين ، وإنّما الوجوب التخييري يعقل بين
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٢٣٠ ـ ٢٣٢.
(٢) يونس : ٥٩.