في المقام ، لتماميّة البيان (١) ، لما عرفت من أنّ البيان ما يكون قابلا للتحريك ، وهو مفقود في المقام.
فتلخّص من جميع ما ذكرنا عدم تمامية الأقوال الأربعة الأخيرة ، وصحّة القول الأوّل من جريان البراءة عقلا ونقلا.
وممّا ذكرنا ظهر أيضا عدم المانع من جريان الاستصحاب سواء كانت الشبهة في الموضوع أو الحكم إذا كانت لها حالة سابقة ، إذ لا مانع منه إلّا توهّم الفرق بين الأصول التنزيليّة وغيرها في مانعيّة لزوم المخالفة الالتزاميّة عن جريانها وعدم مانعيّته ، ويأتي في محلّه ـ إن شاء الله ـ أنّ المخالفة الالتزاميّة غير مانعة عن جريان الأصول ما لم تنته إلى المخالفة القطعيّة العمليّة ، سواء كان الأصل تنزيليّا ، كالاستصحاب ، أو لم يكن كذلك.
ثمّ إنّه على المختار من جريان البراءة عقلا ونقلا لا موضوع للبحث عن أنّ التخيير بين الفعل والترك ثابت حتى في فرض احتمال أهمّيّة أحد التكليفين على تقدير وجوده ، وذلك لأنّ كلّ واحد من الوجوب والحرمة كان مرفوعا بأدلّة البراءة ، فالوجوب المحتمل على تقدير ثبوته واقعا بأيّ مرتبة من الأهمّيّة كان رفع في مقام الظاهر ، وهكذا الحرمة ، وبعد الرفع لا مجال للقول بتعيين محتمل الأهمّيّة.
وأمّا على القول بعدم جريان البراءة لا نقلا ولا عقلا ، فقد يقال ـ كما في الكفاية (٢) ـ بأنّ المقام داخل في كبرى دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، غاية الأمر أنّ الدوران في المقام بين التكليفين الاحتماليّين ، وهناك بين قطعيّين ، والعقل لا يفرّق بينهما في الحكم بتعيين محتمل الأهمّيّة أو الأهمّ.
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٠٥.
(٢) كفاية الأصول : ٤٠٦.