فيجوز شرب المائع غير المضطرّ إليه مثلا ، كما يجوز شرب ما يضطرّ إلى شربه ما دام الاضطرار باقيا ، أمّا بعد رفع الاضطرار بشرب بعض الماء مثلا ، فيكون العلم منجّزا ، لوجود ملاك التنجيز الّذي هو تساقط الأصول.
والوجه في عدم التنجيز في جميع ذلك : أنّ قبل تحقّق الاضطرار لو كان المكلّف غافلا عن حدوث التكليف ، لم يكن الأصل جاريا في الطرفين حتى يقع التعارض بين الأصلين ويتساقطا ، ولو كان ملتفتا إلى التكليف ، فالمفروض أنّه لم يكن عالما به ـ وإنّما حصل له العلم بعد الاضطرار ـ حتى تتساقط الأصول في أطراف علمه بالتكليف ، فكان جميع الأطراف موردا لأصل البراءة في ذلك الزمان.
وبعد تحقّق الاضطرار أيضا ـ كما عرفت ـ ليس في البين إلّا احتمال التكليف ، فلم يمض زمان على المكلّف كان التكليف منجّزا عليه بواسطة تعارض الأصول وتساقطها حتى يقال : لا دليل على البراءة في الطرف غير المضطرّ إليه بعد عدم شمول دليل الأصل في زمان ، وإنّ عوده بعد سقوطه في زمان يحتاج إلى دليل خاصّ مفقود في المقام.
وبالجملة ، لا مانع من شمول دليل الأصل للطرف غير المضطرّ إليه إلّا ما يتوهّم من أنّ قاعدة الاشتغال واستصحاب بقاء كلي التكليف محكّم في المقام.
وحاصل الشبهة : أنّ وجوب الاجتناب المحتمل انطباقه على كلّ من الطرفين كان قبل الاضطرار تكليفا فعليّا ثابتا على الفرض ، غاية الأمر أنّه لم يكن منجّزا حال ثبوته ، لعدم العلم به حينئذ ، وبعد تحقّق الاضطرار دار أمره بين مقطوع الزوال على تقدير انطباقه على الطرف المضطرّ إليه ، ومقطوع البقاء على تقدير انطباقه على الطرف الآخر ، فحاله حال العلم بثبوت جامع الحدث المردّد