التمكّن ـ إلى الابن غير القادر على تحصيل معاشه ، بداهة أنّ الأب يفعله ولو لم يأمر به المولى.
والدليل على ذلك أنّ الأوامر والنواهي مطلقة بالنسبة إلى القادر وغيره عقلا أو عادة ، خرج منهما غير القادر عقلا ، لقبح توجيه الخطاب إليه من المولى الحكيم قطعا ، وأمّا غير القادر عادة فلا قبح في توجيه الخطاب إليه.
توضيح ذلك : أنّ التكليف ليس إلّا اعتبار أنّ العبد محروم من الفعل أو أنّه على ذمّته وعهدته كالدّين ، ولذا أطلق على الصلاة الواجبة الدّين في بعض الروايات من «أنّ دين الله أحق أن يقضى» (١) في قبال سدّ الطريق أو إلجاء العبد إلى الفعل تكوينا ، كما أنّ الترخيص اعتبار أنّ العبد مطلق العنان بالقياس إلى الفعل والترك في قبال إطلاق العنان تكوينا ، فإذا كان الفعل غير مقدور للعبد عقلا ولم يكن أمره بيده بحيث إن شاء فعل ولو بتحمّل مشاقّ كثيرة وإن شاء ترك كذلك ، يلغو اعتبار كونه على ذمّته أو كونه محروما منه ، كما يلغو اعتبار أنّه مطلق العنان بالقياس إليه ، فليس للمولى الحكيم الأمر بالطيران إلى السماء أو النهي عنه أو الترخيص فيه ، وأمّا إذا كان مقدورا له وتحت اختياره عقلا ـ سواء كان فاعلا أو تاركا له ، لعدم رغبته إليه ، أو كونه شاقّا عليه ، أو منافيا لجاهه وشرفه ، أو غير ذلك من الدواعي ، أو لم يكن كذلك ـ فيحسن توجيه الخطاب إليه لغرض أنّه يتقرّب به إليه وتكمل نفسه به ويستعدّ لدخول الجنّة.
نعم ، لو كان الغرض من التكاليف هو وجود متعلّقاتها في الخارج ، لتمّ الإشكال ، ولكن ليس الأمر كذلك ، بل الغرض في جميع الأوامر والنواهي
__________________
(١) لم نعثر على نصّه أو ما بمعناه ـ فيما بين أيدينا من المصادر ـ في مورد الصلاة ، والموجود فيها إنّما هو في مورد الصيام والحجّ. انظر على سبيل المثال : صحيح البخاري ٢ : ٢٩٤ ـ ١٩٥٣ ، وصحيح مسلم ٢ : ٨٠٤ ـ ١٥٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٥٥ و ٥ : ١٧٩.