احتمال الخلاف لا تتصدّى إلّا لتنزيل المؤدّى منزلة الواقع خاصّة بحيث يكون غير العلم ملحوظا آليّا ، أو لتنزيل غير العلم منزلة العلم خاصّة بحيث يكون ملحوظا استقلالا ، ولا يمكن أن تكون ناظرة إلى كلا التنزيلين ، ضرورة استحالة أن يكون شيء واحد في آن واحد ملحوظا بلحاظين مطلقا ـ سواء كانا استقلاليّين أو آليّين أو مختلفين ـ إن لم يكن جامع في البين ، والمفروض أنّه ليس ، بداهة عدم وجود الجامع بين الآليّة والاستقلاليّة.
وبعبارة واضحة : ما دلّ على حجّيّة الأمارة لا يكفي إلّا لأحد التنزيلين : إمّا تنزيل ما أخبرت البيّنة بخمريّته منزلة الخمر الواقعي ، أو تنزيل نفس إخبار البيّنة بخمريّة شيء منزلة العلم بخمريّته ، والمفروض أنّه كان ناظرا إلى التنزيل الأوّل وأنّ نظره إلى غير العلم آليّ وأنّ نظره الاستقلالي إلى الواقع ، فكيف يمكن مع ذلك أن يكون ناظرا إليه استقلالا الّذي لا بدّ له في جعل غير العلم جزءا للموضوع ، كما في سائر ما له دخل فيه!؟
ثمّ أورد على نفسه سؤالا ، وهو : أنّ لازم ما ذكر عدم تعيّن أحد التنزيلين إلّا بالقرينة ، فمجرّد دليل الحجّيّة لا يفي بتنزيل مؤدّى الأمارة منزلة الواقع.
وأجاب : بأنّ ظهور دليل الحجّيّة في أنّه يلاحظ غير العلم آلة ممّا لا ينكر ، وإنّما اللحاظ الاستقلالي يحتاج إلى قرينة عليه (١). هذا خلاصة ما أفاده في المقام.
وهو مبنيّ على أنّ مفاد أدلّة حجّيّة الأمارات تنزيل المؤدّى منزلة الواقع ، وهو ـ قدسسره ـ لا يلتزم به ويرى أنّ مفادها جعل المنجّزيّة في صورة الإصابة والمعذّريّة في فرض المخالفة (٢) ، بمعنى أنّ الشارع جعل آثار القطع الوجداني
__________________
(١) كفاية الأصول : ٣٠٤ ـ ٣٠٥.
(٢) كفاية الأصول : ٣١٩.