العاجز أيضا ، غاية الأمر أنّه لا يقدر على تحصيله ، وأخرى شرعيّة لها دخل في الملاك ، وبدونها لا ملاك أصلا ، نظير الوجدان الّذي هو شرط في تحقّق الملاك للوضوء ، فإنّ الوضوء ليس له ملاك في حقّ الفاقد أصلا.
فإن كانت القدرة عقليّة ، فلا ريب في وجوب التعلّم واستحقاق التارك له العقاب ، فإنّ العقل مستقلّ بلزوم التعلّم قبل الشرط حفظا للملاك الملزم في ظرفه ، فوجوب التعلّم في هذه الصورة أيضا من جهة حكم العقل ، فإنّه من المقدّمات المفوّتة ، أي المقدّمات التي تركها مفوّت للملاك الملزم في ظرفه ، وقد سبق في بحث مقدّمة الواجب أنّ مثل هذه المقدّمات واجب عقلا ، ومثّلنا لذلك بما إذا علم العبد بأنّ مولاه يعطش غدا عطشا مهلكا وهو فعلا متمكّن واجد للماء ولكن إذا أهرقه لا يقدر بعد ذلك على تحصيل الماء ، وقلنا : إنّ العقل مستقلّ بأنّه ليس له ذلك ، ولا يصحّ له الاعتذار ـ عند مؤاخذة المولى بأنّك لم أهرقت الماء وأنت كنت عالما بأنّي أعطش هذا اليوم؟ ـ بأنّي في الأمس ما كنت مكلّفا بتحصيل الماء واليوم لم أقدر على ذلك.
وبالجملة ، العقل لا يفرّق في استحقاق العقاب بين مخالفة التكليف الإلزاميّ وبين تفويت الملاك الملزم ، ففي هذه الصورة وإن كان المكلّف غير مكلّف بالواجب بعد حصول الشرط ، لعجزه عنه إلّا أنّه من أوّل زمان تحقّق التفويت مستحقّ للعقاب بحيث لو أراد المولى تعجيل عقابه لصحّ عقابه في هذا الزمان.
وهذا نظير من رمى البندقة على أحد بحيث يقتله بعد خمس دقائق مثلا ، فإنّه لا شبهة في صحّة مؤاخذته وعقابه بمجرّد الرمي وإن كان لا يجوز قصاصه حينئذ ، وذلك لأنّ ما يكون تحت اختياره هو هذا الفعل وقد صدر عنه بسوء اختياره ، وبعد ذلك لا يقدر على حفظ البندقة.