الرابع : ما نسبه الشيخ (١) ـ قدسسره ـ إلى بعض الفحول ، وهو : أنّ المراد أنّ الضرر غير المتدارك منفيّ وغير مجعول في الشريعة ، نظرا إلى أنّ التدارك يوجب سلب عنوان الضرر حقيقة ، ضرورة أنّه لا يقال لمن أخرج من كيسه دينارا واشترى به شيئا يقابل هذا المقدار : إنّه تضرّر ، فإذا كان المراد نفي الضرر غير المتدارك وأنّه لا بدّ من تدارك الضرر في الشريعة ، يصحّ بلا عناية نفي الضرر ويكون «لا ضرر» نفيا لحقيقة الضرر حقيقة لا ادّعاء.
ولا يخفى أنّ هذا الوجه أردأ الوجوه ، لعدم سلب عنوان الضرر بالتدارك أصلا ، والمعاملة أجنبية عن باب الضرر والتدارك بالمرّة ، ولا يقال لمن كسر كوزه مثلا ولو تدارك عاجلا : لم يتضرّر ، إلّا مسامحة وبالعناية والمجاز.
هذا ، مضافا إلى أن حكم الشارع بوجوب التدارك ما لم يقع التدارك خارجا لا يوجب سلب عنوان الضرر بالضرورة ، وإلّا يلزم أن لا يصدق عنوان المتضرّر على كلّ من سرق منه المال ، لأنّ الشارع حكم بوجوب التدارك على السارقين وضمانهم لهم ، وأن لا يصدق أيضا عنوان المضرّ على أحد من السارقين ، فهذا الوجه ساقط من أصله. مع أنّ لازمه تأسيس فقه جديد ، إذ أيّ فقيه أفتى بأنّ الإضرار بالغير مطلقا حتى في غير موارد الإتلاف موجب للضمان والتدارك؟ وهل أفتى فقيه بأنّ من باع متاعه الكثير كالقند والسكّر وغيرهما بثمن رخيص للإضرار بغيره الّذي يكون له متاع مثل ذلك واشتراه للاتّجار والاسترباح بحيث يوجب إفلاس هذا المسكين وعدم وفاء ما عنده من المتاع ـ لتنزّل السوق ـ لأداء ديونه ، ضامن لما تضرّر به هذا المسكين ، ويجب عليه تدارك ما فات منه؟
__________________
(١) رسالة في قاعدة نفي الضرر (المطبوعة مع المكاسب) : ٣٧٢.