لهما ، بل ادّعى صاحب الرياض ـ كما حكي عنه ـ أنّ مورد دليل «لا ضرر» هو مورد قصد الإضرار بالغير (١).
وبالجملة ، وجهه ما عرفت من أنّ دليل «لا ضرر» يستفاد منه أمران :
أحدهما : عدم جعل الإلزام الضرري.
والآخر : عدم جعل ترخيص يترتّب عليه ضرر الغير ، فإنّ ترخيص هذا التصرّف في ماله ، الّذي يترتّب عليه ضرر الغير جعل للضرر في الشريعة ، فتخصّص الأدلّة الأوّليّة الدالّة على سلطنة المالك على التصرّف في ماله بغير هذا التصرّف المضرّ بالغير.
وأمّا وجه الجواز وعدم الضمان في الصورتين الأوليين : فقد ذكر أنّ ترك الإضرار بالجار مثلا حيث إنّه حرجيّ فيكون المورد موردا لدليل «لا ضرر» و «لا حرج» وحيث إنّ «لا حرج» حاكم على دليل «لا ضرر» يتقدّم ويحكم بالجواز ، وعلى تقدير عدم الحكومة يتساقط الدليلان بالتعارض ، ويرجع إلى عموم الفوق ، مثل : «الناس مسلّطون على أموالهم» (٢) أو إلى أصالة الإباحة.
ولا يخفى ما فيه ، فإنّ عدم حفر البالوعة ، الموجب لفوت النّفع أو الضرر لا يلازم حرجيّته ، بل بين الحرج والضرر وعدم النّفع عموم من وجه ربّما يجتمعان وربما يفترقان ، فإنّ المالك إذا كان موسرا ، أو صار ترك حفر البالوعة موجبا لخراب داره أو فوت منفعة منه لا يكون ذلك حرجا عليه.
نعم ، إن فسّر الحرج بالمشقّة الروحيّة لا المشقّة البدنيّة الخارجيّة التي لا تتحمّل عادة ، يكون الضرر أو فوت النّفع حرجا ومشقّة على النّفس ، لكن
__________________
(١) حكاه عنه المحقّق النائيني ـ قدسسره ـ في رسالة قاعدة لا ضرر (المطبوعة مع منية الطالب) : ٢٢٤.
(٢) غوالي اللئالي ٢ : ١٣٨ ـ ٣٨٣.