ليس ذلك معناه ، فإنّ التكاليف كلّها ـ ماليّة كانت أو بدنيّة ـ فيها مشقّة على النّفس ، إذ النّفس بحسب طبعها تختار النّفع والحرّيّة ، والتكليف مخالف لمقتضى طبعها ، فإنّه مأخوذ من الكلفة والمشقّة.
ثمّ لا وجه لحكومة دليل «لا حرج» على دليل «لا ضرر» بل كلاهما في عرض واحد ، فإنّ كلّا منهما ناظر إلى الأحكام الثابتة في الشريعة ، وينفي الأوّل الحرجيّ منها ، والثاني الضرريّ منها ، فلم لا يكون دليل «لا ضرر» حاكما على دليل «لا حرج»؟.
ثمّ على تقدير تسليم التعارض أيضا لا وجه للرجوع إلى عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» ضرورة أنّه ناظر إلى الحكم الأوّلي وجواز التصرّف في المال بحسب طبعه الأوّلي وفي نفسه ، ولا يكون ناظرا إلى التصرّف المضرّ الّذي هو عنوان ثانوي.
مثلا : إذا فرض مائع يضرّ بالبدن ويترتّب على شربه القتل ، يثبت دليل السلطنة جواز التصرّف في هذا المائع في نفسه ، ولا يثبت جواز القتل ، وهل يجوز ضرب العصا على رأس الغير بمقتضى دليل السلطنة؟
وذكر وجه آخر أيضا ، وهو : أنّ دليل «لا ضرر» حيث إنّه وارد في مقام الامتنان لا يشمل المقام ، فإنّه خلاف الامتنان ، فيرجع إلى أصل الإباحة.
وهذا الوجه أيضا لا يتمّ على إطلاقه ، فإنّ شموله لصورة ترتّب الضرر على ترك الإضرار بالجار وإن كان خلاف الامتنان إلّا أنّ شموله لصورة فوت النّفع من جهة ترك الإضرار لا يكون من خلاف الامتنان ، ضرورة أنّ الامتنان وعدمه إنّما يلاحظ من حيث الضرر لا من جهات أخر ، فجعل حرمة الإضرار الّذي لا يترتّب عليه ضرر ليس من خلاف الامتنان.
فالحقّ هو التفصيل بين صورة عدم النّفع وصورة ترتّب الضرر ، لعدم