ثمّ أظهر سبحانه عظمة عذابه ، والتعجّب منه ، ومن كيفية إنذاراته بقوله : ﴿فَكَيْفَ كانَ﴾ يا محمد ، أو أيّها الناس بعد اطّلاعهم على غرق أهل الأرض ﴿عَذابِي﴾ في العظمة والشدّة ﴿وَنُذُرِ﴾ ي ومواعظي التي أنزلتها إليكم في الكثرة والكمال ، أو رسلي في عظمة الشأن ، والصبر على اذي قومهم ، وصدق مواعيدهم ، فاصبر أنت يا محمد ، فانّ عاقبة أمرك كعاقبة أولئك الرسل ﴿وَ﴾ تالله ﴿لَقَدْ يَسَّرْنَا﴾ وسهّلنا ﴿الْقُرْآنَ﴾ النازل عليكم ، بأن جعلناه بلسانكم ، وصرفنا فيه من أنواع المواعظ والوعيد ﴿لِلذِّكْرِ﴾ والاتّعاظ ، حيث أتينا فيه بكلّ حكمة ، أو للحفظ على ظهر القلب ﴿فَهَلْ﴾ منكم ﴿مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ ومتعظ بالقرآن ، أو حافظ له.
ثمّ وعظ سبحانه بذكر قصّة قوم عاد بقوله تعالى : ﴿كَذَّبَتْ﴾ قوم هود ، واسمهم ﴿عادٌ﴾ بجميع الرسل ، وإنّما لم يذكر سبحانه هنا تكذيبهم هودا للاختصار ، وإنّما ذكر فيما قبل اسم نوح وتكذيبه (١) لبيان شأنه ، وطول مدّة دعوته ، وتحمّله أذى قومه ، كذا قيل (٢) .
ثمّ سأل سبحانه عن كيفية تعذيبهم ، توجيها للسامعين إلى إصغاء ما يلقى إليهم بقوله ﴿فَكَيْفَ كانَ﴾ أيّها المستمعون ﴿عَذابِي﴾ النازل عليهم ﴿وَنُذُرِ﴾ ي لهم ، وتخويفاتي إياهم ؟ ثمّ كأنّه قيل : بيّن لنا يا رب كيف كان عذابهم ، فقال : ﴿إِنَّا أَرْسَلْنا﴾ وسلّطنا ﴿عَلَيْهِمْ﴾ غضبا وسخطا ﴿رِيحاً صَرْصَراً﴾ شديدة الصوت والهبوب ، أو باردة ﴿فِي يَوْمِ نَحْسٍ﴾ وشؤم ﴿مُسْتَمِرٍّ﴾ شؤمه عليهم ، أو إلى آخر الدهر ، وهو آخر أربعاء من الشهر. عن ابن عباس : آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر(٣) .
وعن الباقر عليهالسلام : « أنّه كان في يوم الأربعاء ، في آخر الشهر لا يدور » (٤) .
وعن الصادق عليهالسلام : « الأبعاء يوم نحس مستمر ؛ لأنّه أول يوم وآخر يوم من الأيام التي قال الله عزوجل : ﴿سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً ﴾ » (٥) .
وكانت شدّة تلك الريح بحيث ﴿تَنْزِعُ النَّاسَ﴾ وتقلعهم من الأرض ، وتضرعهم موتى ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ﴾ واصوله ﴿مُنْقَعِرٍ﴾ ومنقلع عن مغرسه ، أو ذاهب في قعر الأرض.
روى الكلبي (٦) : أنّه كان طول كلّ واحد سبعين ذراعا ، فاستهزءوا حين ذكر لهم الريح ، فخرجوا إلى الفضاء ، وضربوا بأرجلهم وغيبوها في الأرض إلى قريب من الرّكبة ، فقالوا لهود : قل للريح حتى ترفعنا ، فجاءت الريح ، فدخلت تحت الأرض ، وجعلت ترفع كلّ اثنين ، وتضرب أحدهما بالآخر
__________________
(١) أي تكذيبهم إياه.
(٢) تفسير الرازي ٢٩ : ٤٣.
(٣) تفسير روح البيان ٩ : ٢٧٥.
(٤) مجمع البيان ٩ : ٢٨٧ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٢.
(٥) علل الشرائع : ٣٨١ / ٢ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠١ ، والآية من سورة الحاقة : ٦٩ / ٧.
(٦) في النسخة : الكليني.