بالانتصار منهم جيء بقوله : ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ﴾ تأكيدا للوعيد والوعد ، يعني أنّ الوعيد والوعد حقّ وصدق ، والموعود مثبت في اللوح المحفوظ ، مقدّر عند الله ، لا يزيد ولا ينقص ، وذلك على الله يسير ، لأنّ قضاءه في خلقه أسرع من لمح البصر (١) .
﴿وَ﴾ تالله ﴿لَقَدْ أَهْلَكْنا﴾ بأنواع العذاب في الأعصار السابقة ﴿أَشْياعَكُمْ﴾ وأشباهكم في الكفر والطّغيان من الامم الذين كانوا أقوى منكم ﴿فَهَلْ﴾ فيكم أيّها الكفّار الحاضرون ﴿مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ ومتّعظ بما نزل عليهم ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ﴾ وعمل من الكفر والعصيان ﴿فَعَلُوهُ﴾ في الليل والنهار والخلوة والجلوة مكتوب ﴿فِي الزُّبُرِ﴾ ودواوين الحفظة الكرام البررة ﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ﴾ من أعمالهم وأعمال غيرهم في مدّة أعمارهم ﴿وَكَبِيرٍ﴾ منها ، كلّ بتفاصيلها ﴿مُسْتَطَرٌ﴾ ومثبوت في كتاب لا يترك كتب عمل صغير لصغره ، ولا كبير للاعتقاد بعدم نسيانه.
روي أنّ النبي صلىاللهعليهوآله ضرب لصغائر الذنوب مثلا ، وقال صلىاللهعليهوآله: « إنّ مثل محقّرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بفلاة من الأرض ، وحضر جميع القوم ، فانطلق كلّ واحد منهم يحطب ، فجعل الرجل يجيء بالعود والآخر بالعود حتى جمعوا سوادا ، وأججوا نارا ، فشووا خبزهم ، وإنّ ذنب الصغير يجتمع على صاحبه فيهلكه ، إلّا أن يغفر الله ، اتّقوا محقّرات الذنوب ، فانّ لها من الله طالبا » (٢) .
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان سوء حال الكفّار في الآخرة ، وأنّهم يسحبون على وجوههم في النار ، بيّن حسن حال المتقين و المحترزين من الكفر والعصيان بقوله تعالى : ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ والمعرضين عن الكفر والعصيان في الدنيا مستقرّون في الآخرة ﴿فِي جَنَّاتٍ﴾ وبساتين كثيرة الأشجار ، لا يوصف حسنها ونظارتها ونعمها ﴿وَ﴾ في خلال ﴿نَهَرٍ﴾ أعظم الأنهار وأصفاها ، جار من الكوثر على قول ، أو من عين الرضوان على آخر (٣) .
وقيل : إنّ المراد من النهر جنسه ، وإفراده لرعاية الفواصل (٤) .
وهو قاعد ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ﴾ ومجلس صالح مرضيّ ، أو مجلس حقّ لا لغو فيه ولا تأثيم ، وكائن ﴿عِنْدَ مَلِيكٍ﴾ وسلطان عظيم الشأن ، وفي قرب من مالك الملوك ﴿مُقْتَدِرٍ﴾ لا نهاية لقدرته وملكه وسلطانه ، فأيّ منزلة أكرم من تلك المنزلة ، وأجمع للغبطة والسعادة ، وألذّ واشرف منها.
عن الصادق عليهالسلام : « من قرأ سورة ( اقتربت ) أخرجه الله من قبره على ناقة من نوق الجنة »(٥).
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٢٨٤.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٢٨٥.
(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ٧٩.
(٤) تفسير أبي السعود ٨ : ١٧٥ ، تفسير روح البيان ٩ : ٢٨٥.
(٥) ثواب الأعمال : ١١٦ ، مجمع البيان ٩ : ٢٧٩ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٥.