تُكَذِّبانِ﴾ مع غاية ظهورها ﴿فَيَوْمَئِذٍ﴾ وحينئذ ﴿لا يُسْئَلُ﴾ أحد من قبل الله أو غيره ﴿عَنْ ذَنْبِهِ﴾ الذي ارتكبه في الدنيا ، لا ﴿إِنْسٌ وَلا جَانٌ﴾ لأنّ العصاة معروفون بسيماهم ، فلا يحتاج عرفانهم إلى السؤال عن ذنبهم. قيل : لا يسألون في أول حشرهم إلى الموقف ، ويسألون حين المحاسبة. عن ابن عباس : لا يسألهم : هل عملتم كذا وكذا ؟ فانّه أعلم بذلك ، ولكن يسألهم لم عملتم كذا وكذا ؟ (١) وعنه أيضا : لا يسألون سؤال شفاء وراحة ، وإنّما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ (٢) .
عن الرضا عليهالسلام - في هذه الآية - قال : « من اعتقد الحقّ ثمّ أذنب ولم يتب في الدنيا عذّب [ في البرزخ ويخرج يوم القيامة وليس له ذنب يسأل عنه ] » (٣) ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ .
ثمّ بيّن سبحانه علّة عدم السؤال من الجن والإنس عن ذنبه بقوله : ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ﴾ والعصاة في ذلك اليوم ﴿بِسِيماهُمْ﴾ وعلامة الذنب الظاهرة في وجوههم من السواد وزرقة العين والغبرة والقترة والحزن والنكاية ﴿فَيُؤْخَذُ﴾ اولئك العصاة ﴿بِالنَّواصِي﴾ وشعور مقدّم رؤوسهم ﴿وَالْأَقْدامِ﴾ قيل : يأخذ الملائكة بشعر رؤوسهم وأقدامهم ، فيقذفونهم في النار (٤) . أو المراد تسحبهم الملائكة وتجرّهم إلى النار تارة بالأخذ بنواصيهم وتارة بالأخذ بأقدامهم (٥) ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ من المواعظ والزواجر مع كون منافعها في غاية الظهور ؟ ثمّ يقال لهم توبيخا وتقريعا ﴿هذِهِ﴾ النار التي ترونها وتدخلونها هي ﴿جَهَنَّمُ الَّتِي﴾ وعد الله بها العصاة في الدنيا على لسان رسله ، وكان ﴿يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ والمصرّون على الكفر والعصيان ، فانظروا اليوم إلى المكذّبين أنّهم ﴿يَطُوفُونَ﴾ ويدورون ﴿بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ﴾ وماء حارّ ﴿آنٍ﴾ وبالغ منتهى الحرارة وأقصاها ، يصبّ عليهم ، أو يسقون منه.
عن كعب الأحبار : أنّ واديا من أودية جهنم يجمع فيه صديد أهل النار ، فينطلق بهم في الأغلال ، فيغمسون فيه حتى تنخلع أو صالهم ، ثمّ يخرجون منه ، وقد أحدث الله لهم خلقا جديدا ، فيلقون في النار (٦) . ومن الواضح أنّ الإخبار بهذه الامور العظام من نعم الله على الأنام ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما﴾ أيها الثقلان ﴿تُكَذِّبانِ﴾ وقيل : يعني ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما﴾ ممّا عددناه من أوّل السورة ﴿تُكَذِّبانِ﴾ فتستحقّان هذا العذاب الشديد (٧) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٣.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٣.
(٣) مجمع البيان ٩ : ٣١٢ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٢.
(٤) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٣.
(٥) تفسير الرازي ٢٩ : ١٢١ ، تفسير أبي السعود ٩ : ١٨٣ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٣.
(٦) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٣ و٣٠٤.
(٧) تفسير الرازي ٢٩ : ١٢١.