وقيل : إنّ المراد أنّ ﴿السَّابِقُونَ﴾ هم السابقون المعروفون بحسن الحال (١) . أو هم الذين لا يمكن الإخبار عن عظمتهم إلّا بأن يقال : هم السابقون ، لكون حسن حالهم وعلوّ مقامهم فوق أن يحيط به علم البشر (٢) . وقيل : إنّ ﴿السَّابِقُونَ﴾ الثاني تأكيد للأول (٣) . وقيل : إنّ المعنى : السابقون ما السابقون ؟ فحذفت كلمة ( ما ) لدلالة الجملتين السابقتين عليها (٤) . وقيل : إنّ ( السابقون ) الثاني مبتدأ ، وخبره قوله : ﴿أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾(٥) إلى الله بأعلى درجات القرب الذي يكون للبشر ، أو المقربون إلى العرش ، لأنّ درجاتهم فوق درجات غيرهم في الجنّة التي سقفها عرش الرحمن ، لقول النبي صلىاللهعليهوآله : « إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ، فانّه أوسط الجنّة وأعلاها ، وفوقه عرش الرحمن »(٦) .
وقيل : إنّهم مقربون إلى الجنّة حين كون أصحاب الميمنة في مقام الحساب (٧) .
قيل : قدّم سبحانه عند ذكر الأصناف أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ، لأنّهم الذين ينفعهم ذكر أهوال القيامة دون السابقين الذين لا يختلف حالهم بالخوف والرجاء (٨) .
نقل كلام بعض العامة وردّه
قال بعض العامة : السابقون اربعة : سابق امّة موسى عليهالسلام وهو جزبيل (٩) أو حزقيل مؤمن آل فرعون ، وسابق امّة عيسى وهو حبيب النجار صاحب أنطاكية ، وسابقا امّة محمد وهما أبو بكر وعمر(١٠) .
أقول : هذا القول مما تضحك به الثكلى ، لوضوح أنّ الرجلين لا سبق لهما لا في الإيمان ولا في الطاعة ، للاتفاق على أنّ إسلام أبي بكر كان بعد إسلام ثلاثة أو أربعة (١١) ، وإسلام عمر كان بعد إسلام تسعة وثلاثين أو أربعين من الصحابة ، مع أنّه روى الجمهور عن ابن عباس ، أنّه قال : سابق هذه الامة علي بن أبي طالب عليهالسلام (١٢) .
وقال فضل بن روزبهان الناصب : جاء في رواية أهل السنّة : « سباق الامم ثلاثة : مؤمن آل فرعون ، وحبيب النجّار ، وعلي بن أبي طالب » (١٣) . وفيما رواه الفخر الرازي : « هو أفضلهم » (١٤).
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٨ : ١٩٠.
(٢) تفسير الرازي ٢٩ : ١٤٥.
(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ١٤٦ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣١٨ ، وفي النسخة : تأكيد الأول.
(٤و٥) تفسير روح البيان ٩ : ٣١٨.
(٦) تفسير روح البيان ٩ : ٣١٨.
(٧) تفسير الرازي ٢٩ : ١٤٦.
(٨) تفسير الرازي ٢٩ : ١٤٢
(٩) في تفسير روح البيان : خربيل.
(١٠) تفسير روح البيان ٩ : ٣١٨.
(١١) وروى الطبري مسندا عن محمد بن سعد ، قال : قلت لأبي : أكان أبو بكر أولكم إسلاما ؟ فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين. تاريخ الطبري ٢ : ٣١٦.
(١٢) نهج الحق : ١٨١ / ١٣ ، مناقب ابن المغازلي : ٣٢٠ / ٣٦٥ ، الصواعق المحرقة : ٢٥ / ٢٩ ، ينابيع المودة : ٦٠ ، مناقب الخوارزمي : ٢٠ ، شواهد التنزيل ٢ : ٢١٣ / ٩٢٤ - ٩٣١.
(١٣) إحقاق الحق ٣ : ١٢١.
(١٤) تفسير الرازي ٢٧ : ٥٧.