أنّ من وظائف الإيمان أن ﴿لا يَسْخَرْ قَوْمٌ﴾ وجمع من رجالكم ﴿مِنْ قَوْمٍ﴾ وجمع آخرين منهم ، ويستهزئ بعضكم ببعض ﴿عَسى﴾ ويرجى ﴿أَنْ يَكُونُوا﴾ اولئك المسخورون والمستهزئون بهم (١) أفضل من الساخرين ، و﴿خَيْراً مِنْهُمْ﴾ وأقرب عند الله ﴿وَلا﴾ تسخر ﴿نِساءٌ﴾ منكم ﴿مِنْ نِساءٍ﴾ اخر منكم ، ولا تستهزئ بعض المؤمنات ببعض آخر ﴿عَسى﴾ ويرجى ﴿أَنْ يَكُنَ﴾ اولئك المسخورات والمستهزئات بهنّ (٢) أفضل من الساخرات والمهزّئات (٣) و﴿خَيْراً مِنْهُنَ﴾ عند الله ، فانّ ملاك القرب والبعد عند الله مستور عنكم ، ليس ممّا يظهر من الأشكال والصّور ، ولا الأوضاع ولا الأطوار التي يدور عليها أمر السّخرية غالبا ، فليس لأحد أن يحقّر أحدا ، فيكون قد حقّر من عظّمة الله ، وأهان من وقره الله ، كإبليس الذي حقّر آدم فحقّره الله وطرده من رحمته ، ولذا روي : أنّ الله تعالى قال : « أوليائي تحت قبابي ، لا يعرفهم غيري » (٤) .
وإنّما لم يذكر سبحانه سخرية الرجال للنساء وبالعكس ، لأنّهما نادران (٥) ويحتمل أنّه تعالى أراد من ( يكون ) معنى ( يصير ) فالمعنى : أن يصيروا خيرا منهم ، ويصرن خير منهنّ ، فانّ الغنيّ الذي يستهزئ بالفقير لفقره ، يحتمل ان يصير الغني المهزّئ (٦) فقير ، ويصير الفقير المهزّأ به (٧) غنيا ، وهكذا.
عن ابن عباس : أنّ الآية نزلت في ثابت بن قيس بن شمّاس ، كان في اذنه وقرأ ، فكان إذا أتى مجلس رسول الله صلىاللهعليهوآله وسّعوا له حتى يجلس إلى جنبه ، يسمع ما يقول ، فأقبل ذات يوم وقد فاتته ركعة من صلاة الفجر ، فلمّا انصرف النبي صلىاللهعليهوآله من الصلاة اقبل نحو رسول الله يتخطّى رقاب الناس وهو يقول : تفسّحوا تفسّحوا ، فجعلوا يتفسّحون حتى انتهى إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله بينه وبينه رجل ، فقال له : تفسّح ، فلم يفعل ، فقال : من هذا ؟ فقال له الرجل : إنا فلان بن فلان ؟ فقال : بل أنت ابن فلانة ، يريد أمّا له كان يعيّر بها في الجاهلية ، فخجل الرجل ، ونكّس رأسه ، فأنزل الله هذه الآية (٨) .
وروي أنّ عائشة قالت : إنّ امّ سلمة جميلة لو لا أنّها قصيرة (٩) .
وعن القمي : أنّها نزلت في صفية بنت حيي بن أخطب زوجة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وذلك أن عائشة وحفصة كانتا تؤذيانها وتشتمانها ، وتقولان لها : يا بنت اليهودية ، فشكت ذلك إلى رسول الله ، فقال : « ألا تجيبيهما ؟ » فقالت : بماذا يا رسول الله ؟ قال : قولي إنّ أبي هارون نبي الله ، وعمّي موسى كليم الله ، وزوجي محمد رسول الله ، فما تنكران منّي ؟ ! » فقالت لهما ، فقالتا : هذا ما علّمك رسول الله. فأنزل الله
__________________
(١) كذا ، والصواب : المسخور منهم ، والمستهزأ بهم.
(٢) كذا ، والصواب : المسخور منهنّ ، والمستهزأ بهنّ.
(٣) كذا ، والصواب : المستهزئات.
(٤) تفسير روح البيان ٩ : ٨٠.
(٥) في النسخة : نادر.
(٦) كذا ، والصواب : المستهزئ.
(٧) كذا ، والصواب : المستهزأ به.
(٨و٩) تفسير روح البيان ٩ : ٨٠.