عن الكاظم عليهالسلام قال : « المصحف لا تمسّه على غير طهر ولا جنبا ، ولا تمسّ خيطه ، ولا تعلّقه ، إنّ الله تعالى يقول : ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ » (١) .
وفي ( الاحتجاج ) : لمّا استخلف عمر سأل عليا عليهالسلام أن يدفع إليهم القرآن فيحرّفوه فيما بينهم ، فقال : يا أبا الحسن ، إن جئت بالقرآن الذي جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه ؟ فقال عليهالسلام : « هيهات ، ليس إلى ذلك سبيل ، إنّما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجّة عليكم ، ولا تقولوا يوم القيامة : إنّا كنّا عن هذا غافلين ، أو تقولوا : ما جئتنا به ، فانّ القرآن الذي عندي لا يمسّه إلّا المطهّرون ، وهم الأوصياء من ولدي. فقال عمر : فهل لإظهاره وقت معلوم ؟ فقال : نعم ، إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه ، فتجري السنة به » (٢) .
أقول : المراد من التحريف تغيير ما كتبه أمير المؤمنين من التفسير والتأويل ، لا تغيير ألفاظ الآيات التي نزلت من السماء ، ومن وقوله ( لا يمسّه إلّا المطهّرون وهم الأوصياء ) بيان تأويله وبطنه لا تنزيله.
وقيل : إنّه وصف الكتاب المكنون ، وهو اللوح المحفوظ (٣) ، والأصحّ الأول ، لقوله : ﴿تَنْزِيلٌ﴾ ومنزّل هذا القرآن ﴿مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ وفي نسبة تنزيله إلى ذاته مع توصيفها بربّ العالمين دلالة على غاية عظمة القرآن المنزّل منه ، وكونه من شؤون ربوبيته لجميع الموجودات.
ثمّ وبّخ سبحانه المشركين على إهانتهم بهذا الكتاب العظيم بقوله : ﴿أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ﴾ الذي هو أحسن الحديث ، وهذا القرآن الذي هو أعظم الكتب السماوية ﴿أَنْتُمْ﴾ ايّها المشركون ﴿مُدْهِنُونَ﴾ وتكذّبون ، أو تهينون ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ﴾ ومعاشكم ﴿أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ محمدا وكتابه ، أو المراد تجعلون شكر رزقكم ونعم ربّكم تكذيبكم بمن أنزله عليكم ورزقكم نعمه بأن تنسبونها إلى الأنواء.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، أنّه قرأ الواقعة فقال : ( تجعلون شكركم أنّكم تكذّبون ) فلمّا انصرف قال : « إنّي قد عرفت أنّه سيقول قائل : لم قرأ هكذا قرأتها ، لأني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقرأها كذلك ، وكانوا إذا امطروا قالوا : امطرنا بنوء كذا ، فأنزل الله تعالى : ( تجعلون شكركم انكن تكذبون ) » (٤) .
وعن الصادق عليهالسلام في الآية قال : ( وتجعلون شكركم ) (٥) .
أقول : في الرواية العلوية دلالة واضحة على اشتهار قراءة ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ﴾ في الصدر الأول ، فيمكن أن تكون قراءة ( شكركم ) تفسيرا للآية ، كما فسّرها به كثير من المفسّرين ، أو يكون نزول
__________________
(١) التهذيب ١ : ١٢٧ / ٣٤٤ ، تفسير الصافي ٥ : ١٢٩.
(٢) الاحتجاج : ١٥٦ ، تفسير الصافي ٥ : ١٢٩.
(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ١٩٢.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٤٩ ، تفسير الصافي ٥ : ١٢٩.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٣٥٠ ، تفسير الصافي ٥ : ١٣٠.