ينفقونها على الفقراء ، وفي سبيل الله ، لحبّهم لها ، ولعزّتها عندهم ، ثمّ لا يقنعون ببخلهم ، بل يبعثون ﴿وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ بأموالهم وإمساكها وعدم صرفها في وجوه الخير ، وهذا غاية الذمّ ﴿وَمَنْ يَتَوَلَ﴾ ويعرض عن الإنفاق ، أو عن إطاعة أوامر الله ونواهيه ﴿فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ﴾ عن إنفاقهم وطاعتهم لا يضرّه بخلهم وعصيانهم ، ولا ينفعه إنفاقهم وشكرهم وطاعتهم ﴿الْحَمِيدُ﴾ في ذاته ، المحمود في فعاله التي منها فتح أبواب نعمه على البخلاء ، لأنّ فيه نظام العالم ، وامتحان الخلق ، ووبال بخلهم عائد إليهم.
ثمّ لمّا كان نظام العالم بالعلم والقواعد المقرّرة لحفظ النظام وقيام العدل وقوّة دفاع الظالمين ، بيّن سبحانه إتمام نعمه على الناس حثّا لهم على طاعته بقوله : ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا﴾ إليكم أيّها الناس ﴿رُسُلَنا﴾ في كلّ عصر وقرن ، مستدلّين على رسالتهم من قبلنا ﴿بِالْبَيِّناتِ﴾ والمعجزات الظاهرات ، والحجج الباهرات ، لئلا يشكّ أحد في صدق دعواهم الرسالة ﴿وَأَنْزَلْنا﴾ إتماما للّطف ﴿مَعَهُمُ الْكِتابَ﴾ السماوي الذي فيه بيان كلّما يحتاجون إليه من العلوم المربوطة بمعاشهم ومعادهم. عن الصادق عليهالسلام : « الكتاب الاسم الأكبر الذي يعلم به علم كلّ شيء الذي كان مع الأنبياء ... » الخبر (١) . ﴿وَالْمِيزانَ﴾ وما يعيّن به الحقوق. روي أنّ جبرئيل نزل بالميزان فدفعه إلى نوح ، وقال : مر قومك يزنوا به (٢) . وقيل : إنّ المراد بالميزان العدل والانصاف (٣) . القمي ، قال : الميزان الامام (٤) .
﴿لِيَقُومَ النَّاسُ﴾ في معاملاتهم وحقوقهم ﴿بِالْقِسْطِ﴾ والعدل ، ولا يظلم أحدا في إيفاء حقوقهم واستيفائها ، كما أنّه تعالى قائم في عباده بالقسط والعدل ، فوفاهم حقوقهم بلا حيف ﴿وَأَنْزَلْنا﴾ من السماء ﴿الْحَدِيدَ﴾ عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « يعني السلاح » (٥) الذي ﴿فِيهِ بَأْسٌ﴾ وعذاب ﴿شَدِيدٌ﴾ على من لم يعمل بالكتاب وأخسر الميزان.
وقيل : يعني قوّة شديدة عليهم ، فان آلات الحرب كلّها من حديد (٦) .
عن ابن عمر : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : « إنّ الله تعالى أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض ؛ أنزل الحديد ، والنار ، [ والماء ] ، والملح » (٧) .
__________________
(١) الكافي ١ : ٢٣٢ / ٣ ، تفسير الصافي ٥ : ١٣٨.
(٢) جوامع الجامع : ٤٨٢ ، تفسير الصافي ٥ : ١٣٩ ، تفسير الرازي ٩ : ٢٤١ ، تفسير أبي السعود ٨ : ٢١٢.
(٣) تفسير جوامع الجامع : ٤٨٢.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٢٧٤ و٣٥٢ ، تفسير الصافي ٥ : ١٣٩.
(٥) التوحيد : ٢٦٦ ، تفسير الصافي ٥ : ١٣٩.
(٦) تفسير روح البيان ٩ : ٣٨٠.
(٧) مجمع البيان ٩ : ٣٦٣ ، تفسير الرازي ٢٩ : ٢٤٢ ، تفسير الصافي ٥ : ١٣٩ ، وتفسير روح البيان ٩ : ٣٨٠ ، ولم ينسباه إلى أحد من الرواة.