العهد.
فخرج كعب بن أشرف - أحد رؤساء بني النّضير - في أربعين راكبا إلى مكة ، وحالفوا قريشا على قتال النبي صلىاللهعليهوآله ، فلمّا رجع كعب إلى المدينة نزل جبرئيل على رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأخبره بنقض بني النّضير عهدهم ، وتعاهدهم قريشا على قتاله ، فأمر النبي صلىاللهعليهوآله محمد بن مسلمة الأنصاري ، وكان أخا كعب بن أشرف من الرّضاعة أن يقتله غيلة ، فأتاه ليلا فاستخرجه من بيته ، وقال : إنّي أتيتك لاستقرض منك شيئا من التمر ، فخرج إليه فقتله ، ورجع إلى النبي صلىاللهعليهوآله وأخبره ، ففرح به ، لأنّه أضعف قلوبهم (١) .
وفي بعض الأخبار : أنّه صلىاللهعليهوآله ذهب إلى بني النّضير في نفر من أصحابه ، للاستعانة منهم في دية ، فقالوا : نعم يا أبا القاسم حتّى تطعم وترجع بحاجتك ، وكان صلىاللهعليهوآله جالسا إلى جنب جدار من بيوتهم ، فخلا بعضهم ببعض وقالوا : إنّكم لن تجدوا الرجل على مثل تلك الحالة ، فهل من رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه ؟ فقال عمرو بن جحّاش - أحد ساداتهم - : أنا لذلك. فقال لهم سلّام بن مشكم - أحد ساداتهم - : لا تفعلوا ، والله ليخبرنّ بما هممتم به ، إنّه لنقض للعهد الذي بيننا وبينه. فلمّا صعد الرجل ليلقي الصخرة أتى رسول الله صلىاللهعليهوآله الخبر من السماء بما أراد القوم ، فقام صلىاللهعليهوآله مظهرا أنّه يقضي حاجته ، وترك أصحابه في مجالسهم ، ورجع مسرعا إلى المدينة ، ولم يعلم من كان معه من أصحابه ، فلمّا استبطؤوه قاموا في طلبه ، فلقوا رجلا مقبلا من المدينة ، فسألوه فقال : رأيته داخل المدينة.
فأقبل أصحابه حتّى انتهوا إليه ، فأخبرهم بما أرادت بنو النّضير ، فندم اليهود ، وقالوا : قد اخبر بما أردنا ، فأرسل محمد بن مسلمة إليهم : أن اخرجوا من بلدي - وهم كانوا في قرية زاهرة من أعمال المدينة - فلا تساكنوني بها ، فلقد هممتم بما هممتم من الغدر. فسكتوا ولم يقولوا حرفا ، فأرسل إليهم المنافقون أن أقيموا في حصونكم فإنّا نمدّكم.
فأرسل حيي بن أخطب - أحد رؤسائهم - إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنّا لا نخرج من ديارنا ، فافعل ما بدا لك. اغترارا بقول المنافقين ، فسار رسول الله صلىاللهعليهوآله مع أصحابه إليهم راكبا على حمار مخطوم بليف ، وحمل رايته علي بن أبي طالب صلىاللهعليهوآله حتى نزل بهم وصلّى العصر بفنائهم ، وقد تحصّنوا وقاموا على حصنهم يرمون بالنّبال والحجارة ، وزرّبوا (٢) على الأزقّة وحصّنوها ، فحاصرهم رسول الله صلىاللهعليهوآله إحدى
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٤١٦.
(٢) أي اتخذوا الزرائب ، جمع زريبة : الحفرة. ولعلّه تصحيف ( ودرّبوا ) على ما سيأتي لا حقا عن تفسير الرازي.