قيل : إنّ المعنى تبوّءوا المدينة ، وأخلصوا الايمان من قبل هجرتهم (١) . وقيل : إنّ المراد من الايمان هو المدينة ، لظهور الايمان وقوّته فيها (٢) .
وهم ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾ من المؤمنين ، لمحبّتهم الايمان بالله وبرسوله ﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ﴾ ولا يدركون في أنفسهم ﴿حاجَةً﴾ وإقبالا إلى شيء ﴿مِمَّا أُوتُوا﴾ واعطوا اولئك المهاجرون من الفيء ﴿وَيُؤْثِرُونَ﴾ ويقدّمون المهاجرين ﴿عَلى أَنْفُسِهِمْ﴾ في الفيء وغيره ممّا يرتبط بالمعاش جودا وحبّا لهم ﴿وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ﴾ وشدّة حاجة.
عن ابن عباس : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال للأنصار : « إن شئتم قسمتم للمهاجرين من دوركم وأموالكم ، وقسمت لكم من الغنيمة كما قسمت لهم ، وإن شئتم كان لهم الغنيمة ولكم دياركم وأموالكم » فقالوا : لا ، بل نقسم لهم من ديارنا وأموالنا ، ولا نشاركهم في الغنيمة ، فنزلت الآية (٣) .
قيل : إن من كان له امرأتان يفارق إحداهما ويزوّجها واحدا منهم (٤) .
في إيثار المؤمنين إخوانهم على أنفسهم
أقول : كان الايثار من صفات الكاملين في الايمان ، فانّ المؤمن الحقيقي يؤثر أخاه المؤمن على نفسه.
عن ( الامالي ) : أنّه جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله رجل فشكا إليه الجوع ، فبعث رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى بيوت أزواجه ، فقلن : ما عندنا إلّا الماء ، فقال صلىاللهعليهوآله : « من لهذا الرجل الليلة ؟ » فقال علي بن أبي طالب عليهالسلام : « أنا له يا رسول الله » فأتى فاطمة عليهالسلام وقال لها : « ما عندك يا ابنة رسول الله ؟ » فقالت : « ما عندنا إلّا قوت العشيّة (٥) ، لكنّا نؤثر ضيفنا » . فقال : « يا ابنة رسول الله ، نوّمي الصّبية ، وأطفئ المصباح » فلمّا أصبح غدا على رسول الله صلىاللهعليهوآله فأخبره الخبر ، فلم يبرح حتّى أنزل الله : ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ ...﴾ الآية (٦) .
وعن أنس : أنّه اهدي إلى رجل من الأنصار رأس [ شاة ] وكان مجهودا ، فوجّه به إلى جار له زاعما أنّه أحوج إليه منه ، فوجّه جاره أيضا إلى آخر ، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتّى تداول ذلك الرأس سبعة بيوت إلى أن رجع إلى المجهود الأول (٧) .
وعن حذيفة العدوي ، قال : انطلقت في غزوة أطلب ابن عمّ لي ومعي شيء من الماء قاصدا أنّه إذا كان به رمق سقيته ، فاذا أنا به فقلت له : أسقيك ؟ فأشار إليّ برأسه أن نعم ، فاذا برجل يقول : آه آه ،
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٨٧ ، تفسير أبي السعود ٨ : ٢٢٩ ، تفسير روح البيان ٩ : ٤٣٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٨٧.
(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٨٧.
(٤) تفسير البيضاوي ٢ : ٤٨١ ، تفسير روح البيان ٩ : ٤٣٣.
(٥) في المصدر : الصبية.
(٦) أمالي الطوسي : ١٨٥ / ٣٠٩ ، تفسير الصافي ٥ : ١٥٧.
(٧) تفسير روح البيان ٩ : ٤٣٣.