وقال الحارث بن هشام : أما وجد رسول الله سوى هذا الغراب الأسود (١) .
وقيل : إنّ الآية نزلت في أبي هند من الصحابة ، حين أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله بني بياضة أن يزوّجوه امرأة منهم ، فقالوا : يا رسول الله ، نزوّج بناتنا موالينا (٢) .
وروي أنّ رسول الله مرّ في سوق المدينة ، فرآى غلاما أسود يباع ، وهو يقول : من اشتراني فعلى شرط أن لا يمنعني عن الصلوات الخمس خلف رسول الله : فاشتراه رجل ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يراه عند كلّ صلاة فقعده فسأل عنه صاحبه ، فقال : هو محموم فعاده ، ثمّ سأل عنه بعد أيام فقيل ! هو مشرف على الموت ، فجاءه وهو في بقية حركة ، فتولّى غسله ودفنه ، فدخل على المهاجرين والأنصار أمر عظيم ، فنزلت (٣) .
روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال يوم فتح مكّة : « إنّ الله قد أذهب عنكم بالاسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ، إنّ العربية ليست بأب والد ، وإنّما هو لسان ناطق ، فمن تكلّم به فهو عربي ، إلّا أنكم من آدم ، وآدم من التراب ، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم » (٤) .
وعنه صلىاللهعليهوآله : « أنّ ربّكم واحد ، وأبوكم واحد ، لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا أحمر على اسود ، ولا أسود على أحمر إلّا بالتقوى » (٥) .
وإنّما ذكر سبحانه من أسباب التفاخر الدنيوي النسب ، مع أن أسبابه كثيرة كالمال والأولاد وغيرهما ، لأنّ النسب أعلاها من حيث أنّه ثابت مستمر غير مقدور التحصيل بخلاف غيره ؛ ولأنّه كان بين العرب من أعظم أسباب الافتخار ، وكان دأبهم الشائع الافتخار به.
روي أنّه سئل عيسى عليهالسلام : أي الناس أشرف ؟ فقبض قبضتين من التراب ، ثمّ قال : أي هذين أشرف ؟ ثمّ جمعهما فطرحهما ، وقال : الناس من تراب ، وأكرمهم عند الله أتقاهم (٦) .
وعن النبي صلىاللهعليهوآله : « يقول الله يوم القيامة : أمرتكم فضيّعتم ما عهدت إليكم فيه ، ورفعتم أنسابكم ، اليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم ، أين المتّقون ؟ إن أكرمكم عند الله أتقاكم » (٧) .
وعن أبي هريرة : أنّ الناس يحشرون يوم القيامة ، ثمّ يوقفون ، ثمّ يقول الله لهم : طالما كنتم تكلّمون وأنا ساكت ، فاسكتوا اليوم حتى أتكلّم ، إنّي رفعت نسبي وأبيتم إلّا أنسابكم ، قلت إنّ أكرمكم أتقاكم ، وأبيتم أنتم ، وقلتم : لا بل فلان بن فلان وفلان بن فلان ، فرفعتم أنسابكم ، ووضعتم نسبي ، فاليوم أرفع
__________________
(١و٢) تفسير روح البيان ٩ : ٩٠.
(٣) تفسير روح البيان ٩ : ٩١.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٢٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٥٤.
(٥) تفسير روح البيان ٩ : ٩١.
(٦) تفسير روح البيان ٩ : ٩١.
(٧) مجمع البيان ٩ : ٢٠٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٥٤.