لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣)﴾
ثمّ لمّا كان الاستهزاء بالغير ولمزه ونبزه واغتيابه لتحقيره والتفاخر عليه ، بيّن سبحانه أنّه لا تفاوت بين الناس في الشرف والرفعة إلّا من حيث الايمان والتقوى الذي أمر به بقوله : ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ﴾ وأولدناكم ﴿مِنْ ذَكَرٍ﴾ وهو آدم ﴿وَأُنْثى﴾ وهي حوّاء ، فليس لأحد أن يفتخر على أحد بالنسب ؛ لأنّ جميعكم أبناء رجل وأب واحد ، وامرأة وامّ واحدة.
وقيل : إنّ المراد من الذّكر الأب المتّصل ، ومن الانثى الامّ المتصلة ، والمقصود أنّ كلّكم في الخلق سيّان ، ومن جنس واحد ، حيث إنّ كلّ واحد منكم ولدكما ولد غيره ، وخالقه خالق غيره ، فلا مزيّة لأحد على أحد في أصله (١) .
﴿وَجَعَلْناكُمْ﴾ وصيّرناكم ﴿شُعُوباً﴾ وجماعات عظماء منتسبين إلى أب واحد ﴿وَقَبائِلَ﴾ وطوائف منشعبة من كلّ شعب.
قيل : إنّ الشعوب جماعات لا يدري من يجمعهم كالعجم ، والقبائل جماعات منتسبون إلى أب واحد معلوم كالعرب (٢) .
وعن الصادق عليهالسلام : « الشعوب العجم ، والقبائل العرب » (٣) .
وقيل : إنّ الشعوب داخلة في القبائل ، فانّ القبيلة تحتها شعوب ، والشعوب تحتها بطون (٤) .
وإنّما كان ذلك الجعل ﴿لِتَعارَفُوا﴾ ويعرف بعضكم بعضا بحسب الأنساب ، لا لتفاخروا بالآباء والقبائل ، وتدّعون الشرف والتفاضل.
وقيل : لا لتناكروا بالسّخرية واللّمز والنّبز والغيبة ، فانّ كلّ واحد منها يؤدّي إلى التناكر (٥) .
في فضيلة التقوى
وقيل : إنّ المعنى إنّا خلقناكم من ذكر وانثى لتعبدوا ، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا (٦) .
واعلموا ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ﴾ واعلاكم شأنا ﴿عِنْدَ اللهِ﴾ وفي نظره ﴿أَتْقاكُمْ﴾ وأعلمكم بطاعته ، وإن كان عبدا حبشيا.
روي أنّها نزلت حين أمر النبي صلىاللهعليهوآله بلالا بعد فتح مكّة ليؤذّن ، فعلا ظهر الكعبة. فاذّن ، فقال عتّاب بن اسيد ، وكان من الطّلقاء : الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم ، ولم يسمع هذا الصوت.
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٨ / ١٣٧ ، تفسير روح البيان ٩ / ٩٠.
(٢) تفسير الرازي ٢٨ : ١٣٨.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٣٢٢ ، وتفسير الصافي ٥ : ٥٤ ، ولم ينسباه إلى أحد.
(٤) تفسير الرازي ٢٨ : ١٣٨.
(٥) تفسير الرازي ٢٨ : ١٣٨.
(٦) تفسير الرازي ٢٨ / ١٣٨.