هند رأسها ، وقالت : والله لقد عبدنا الأصنام ، وإنّك لتأخذ علينا أمرا ما رأيناك أخذته على الرجال ، تبايع الرجال على الاسلام والجهاد فقط ؟
فقال صلىاللهعليهوآله : « ولا تسرقن » فقالت هند : إنّ أبا سفيان رجل شحيح ، وإنّي أصبت من ماله هناة ، فما أدري أتحلّ لي أم لا ؟ فقال أبو سفيان : ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غير فهو لك حلال. فضحك رسول الله وعرفها ، فقال لها : « وإنّك لهند بنت عتبة ؟ » قالت : نعم ، فاعف عمّا سلف يا نبيّ الله ، عفا الله عنك.
فقال : « ولا تزنين » قالت : أتزني الحرّة ؟ فقال : « ولا تقتلن أولادكنّ » فقالت : ربّيناهم صغارا ، وقتلتهم كبارا ، فأنتم وهم أعلم ، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر. فضحك عمر حتى استلقى ، وتبسّم رسول الله صلىاللهعليهوآله.
فقال : « ولا يأتين ببهتان يفترينه » وهو أن تقذف على زوجها ما ليس منه ، فقالت هند : إن البهتان لأمر قبيح ، وما تأمرنا إلّا بالرّشد ومكارم الأخلاق.
فقال صلىاللهعليهوآله : « ولا تعصينني في معروف » فقالت : والله ما جلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء ، انتهى (١) .
في كيفية أخذ النبي صلىاللهعليهوآله البيعة من النساء
قال بعض العامة : إنّ مبايعة عمر إيّاهن من قبل رسول الله صلىاللهعليهوآله (٢) ؛ لأنّه لا يجوز للرسول صلىاللهعليهوآله مسّ أيدي الأجنبية.
أقول : كذلك والله لا يجوز لعمر مسّها بطريق أولى ، ورووا أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كلّف امرأة وقفت على الصفا فبايعتهنّ ، وهي اميمة اخت خديجة (٣) .
وعن الصادق عليهالسلام قال : « لمّا فتح رسول الله صلىاللهعليهوآله مكّة بايع الرجال ، ثمّ جاءت النساء يبايعنه ، فأنزل الله : ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُ﴾ الآية ، قالت هند : أمّا الولد فقد ربّيناهم صغارا وقتلتهم كبارا. وقالت امّ الحكم بنت الحارث بن هشام ، وكانت عند عكرمة بن أبي جهل : يا رسول الله ، ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه ؟ قال : لا تلطمن خدّا ، ولا تخمشن وجها ، ولا تنتفن شعرا ، ولا تشققن جيبا ، ولا تسوّدن ثوبا ولا تدعين بالويل ، فبايعهنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله على هذا. فقالت : يا رسول الله كيف نبايعك ؟ قال : إنّني لا اصافح النساء ، فدعا بقدح من ماء ، فأدخل يده فيه ، ثمّ أخرجها ، فقال : ادخلن أيديكنّ في هذا الماء ، فهي البيعة » (٤) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٣٠٧.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٤٩١.
(٣) تفسير روح البيان ٩ : ٤٩١.
(٤) الكافي ٥ : ٥٢٧ / ٥ ، تفسير الصافي ٥ : ١٦٦.