قيل : إنّ قولهم ﴿نَشْهَدُ﴾ جار مجري اليمين في التأكيد (١) .
﴿فَصَدُّوا﴾ ومنعوا أنفسهم ، أو الناس ﴿عَنْ سَبِيلِ اللهِ﴾ وقبول دينه وطاعته وطاعة رسوله إلّا ﴿إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ من النّفاق والصدّ والكذب ﴿ذلِكَ﴾ الحكم من الله بكذبهم ، أو بسوء أعمالهم إنّما هو ﴿بِأَنَّهُمْ آمَنُوا﴾ بألسنتهم بتوحيد الله ورسالة رسوله ﴿ثُمَّ كَفَرُوا﴾ بهما بقلوبهم ، أو اظهروا الكفر عند اهوانهم الشياطين ، أو آمنوا بالتوراة ثمّ كفروا بما فيها من نعوت خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله ﴿فَطُبِعَ﴾ وختم لذلك ﴿عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ بكفرهم ﴿فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ﴾ ولا يفهمون القرآن وصدق محمد صلىاللهعليهوآله في دعوى رسالته ، أو فوائد الايمان وضرر الكفر ، أو لا يفهمون أنّ قلوبهم مطبوعة.
﴿وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ
يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ *
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ
وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٤) و (٥)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد ذمّهم بكثر مكرهم بالنبي والمسلمين ، ذمّهم بقلّة فهمهم وإدراكهم بقوله : ﴿وَإِذا رَأَيْتَهُمْ﴾ ونظرت إليهم ﴿تُعْجِبُكَ﴾ ويعظم في نفسك ﴿أَجْسامُهُمْ﴾ من حيث الضّخامة وصباحة الوجه ﴿وَإِنْ يَقُولُوا﴾ لك قولا ﴿تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ لفصاحتهم وذلاقة لسانهم ، ولكنّهم في عدم الفهم والعقل والنفع ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ﴾ يابسة وعيدان غليظة ﴿مُسَنَّدَةٌ﴾ ومعتمدة على الحائط ، ومن غاية جبنهم وشدّة ضعف قلوبهم ﴿يَحْسَبُونَ﴾ ويتوهّمون ﴿كُلَّ صَيْحَةٍ﴾ سمعوها من أحد ونداء مناد ولو لإنشاد ضالّته ، أو انفلات دابّته ، أنّه من عدوّهم واقعة ﴿عَلَيْهِمْ﴾ حيث يتوقّعون في كلّ ساعة أن يظهر الله نفاقهم ويهتك سرّهم ويكشف سرّهم فيقصدهم المسلمون ، فاعلم يا محمد أن ﴿هُمُ الْعَدُوُّ﴾ الكاملون في العداوة لك وللمسلمين ﴿فَاحْذَرْهُمْ﴾ واحترز منهم أن تأمنهم على سرّك وتدخلهم في أمر من امورك ﴿قاتَلَهُمُ اللهُ﴾ وأفناهم من وجه الأرض ولعنهم ، والعجب من حمقهم وجهلهم أنّهم ﴿أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ وكيف يعدلون ويصرفون عن الحقّ مع كمال وضوحه ولمعان نوره ﴿وَ﴾ من حمقهم أنّهم ﴿إِذا قِيلَ لَهُمْ﴾ نصحا من قبل المؤمنين حين ظهور فسادهم : أيّها المنافقون ، ﴿تَعالَوْا﴾ عند الرسول واتوه ﴿يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ﴾ ويسال الله العفو من ذنوبكم ﴿لَوَّوْا﴾ وعطفوا ﴿رُؤُسَهُمْ﴾ وأمالوا وجوههم إلى الطرف الآخر ﴿وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ﴾ ويعرضون عن القائل
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ١٣.