فحلف عبد الله أنّه لم يقل شيئا من ذلك ، فقالوا : فقم بنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى نعتذر إليه ، فلوى عنقه ، فلمّا جنّ الليل سار رسول الله صلىاللهعليهوآله ليله كلّه ونهاره ، فلم ينزلوا إلّا للصلاة ، فلمّا كان من الغد نزل رسول الله صلىاللهعليهوآله ونزل أصحابه ، وقد أمهدهم الأرض من السّهر الذي اصابهم ، فجاء عبد الله بن ابي إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فحلف أنّه لم يقل ذلك ، وأنّه ليشهد لا إله إلّا الله ، وإنّك رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأنّ زيدا قد كذب عليّ ، فقبل رسول الله صلىاللهعليهوآله منه ، وأقبلت الخزرج على زيد بن أرقم يشتمونه ، ويقولون له: كذبت على عبد الله بن ابي سيّدنا.
فلمّا رحل رسول الله صلىاللهعليهوآله كان زيد معه يقول : اللهمّ إنّك لتعلم أنّي لم أكذب على عبد الله بن ابي ، فما سار إلّا قليلا حتى أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله ما كان يأخذه من البرحاء (١) عند نزول الوحى عليه ، فثقل حتّى كادت ناقته أن تبرك من ثقل الوحي ، فسرّي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو يسكب العرق عن جبهته ، ثمّ أخذ باذني زيد بن أرقم ، فرفعه من الرّحل ، ثمّ قال : « يا غلام ، صدق فوك ، ووعى قلبك ، وأنزل الله فيك قرآنا » فلمّا نزل جمع أصحابه ، وقرأ عليهم سورة المنافقين ، ففضح الله عبد الله بن ابي(٢) .
[ وفي رواية عن أبي جعفر عليهالسلام ] قال : فلمّا نعتهم الله لرسوله صلىاللهعليهوآله وعرّفه [ مساءتهم ] ، مشى إليهم عشائرهم فقالوا لهم : قد افتضحتم ، فأتوا نبيّ الله يستغفر لكم ، فلووا رؤوسهم وزهدوا في الاستغفار(٣) .
روي أنّ ولد عبد الله بن ابي أتى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : يا رسول الله ، إن كنت عزمت على قتل أبي ، فمرني أن أكون أنا الذي أحمل إليك رأسه فو الله لقد علمت الأوس والخزرج أنّي أبرهم ولدا بوالد ، فإنّي أخاف أن تأمر غيري فيقتله ، فلا تطيب نفسي أنّي انظر إلى قاتل عبد الله ، فأقتل مؤمنا بكافر ، فأدخل النار. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « بل نحسن لك صحابته مادام معنا » (٤) .
وعن ( الكافي ) عن الكاظم عليهالسلام ، قال : إنّ الله تبارك وتعالى سمّى من لم يتّبع الرسول صلىاللهعليهوآله في ولاية وصيّه منافقين ، وجعل من جحد وصيّه إمامته كمن جحد محمدا صلىاللهعليهوآله وأنزل بذلك قرآنا ، فقال: يا محمد ﴿إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ﴾ بولاية وصيك ﴿قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ﴾ بولاية علي ﴿لَكاذِبُونَ* اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ﴾ والسبيل هو الوصي ﴿إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا﴾ برسالتك ﴿ثُمَّ كَفَرُوا﴾ بولاية وصيك ﴿فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ﴾ يقول : لا يعقلون بنبوتك ، وإذا قيل لهم إرجعوا إلى
__________________
(١) البرحاء : الشدّة والمشقّة.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٣٦٨ ، تفسير الصافي ٥ : ١٧٨.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٣٧٠ ، تفسير الصافي ٥ : ١٨٠.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٧٠ ، تفسير الصافي ٥ : ١٨٠.