روى بعض العامة أنه قيل للحسن بن علي عليهالسلام : إنّ الناس يزعمون أنّ فيك تيها - أي كبرا - فقال : « ليس ذلك بتيه ، ولكنّه عزّة » وتلا الآية (١) .
وعن القمي ، قال : نزلت الآية أو السورة في غزوة مريسيع - وهي غزوة بني المصطلق - في سنة خمس من الهجرة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله خرج إليها ، ولمّا رجع منها نزل على بئر ، وكان الماء قليلا فيها ، وكان أنس بن سيّار حليف الأنصار ، وكان الجهجاه بن سعيد الغفارى أجيرا لعمر بن الخطاب ، فاجتمعوا على البئر ، فتعلّق دلو أنس بن سيّار بدلو جهجاه ، فقال أنس بن سيّار : دلوي. وقال جهجاه : دلوي ، فضرب جهجاه يده على وجه انس بن سيّار ، فسال منه الدم ، فنادى أنس بن سيّار بالخرزج ، ونادى جهجاه بقريش ، فأخذ الناس السلاحن وكاد أن تقع الفتنة.
فسمع عبد الله بن ابي النداء ، فقال : ما هذا ؟ فأخبروه بالخبر ، فغضب غضبا شديدا ، ثمّ قال : قد كنت كارها لهذا المسير ، [ إنّي ] لأذلّ العرب ، ما ظننت أن أبقى إلى أن أسمع مثل هذا النداء فلا يكن عندي تغيير (٢) . ثمّ أقبل على أصحابه فقال : هذا عملكم ، أنزلتموهم منازلكم ، وواسيتموهم بأموالكم ، ووقيتموهم بانفسكم ، وأبرزتم نحوركم للقتل ، فأرمل نساءكم ، وأيتم صبيانكم ، ولو أخرجتموهم لكانوا عيالا على غيركم. ثمّ قال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ.
وكان في القوم زيد بن أرقم ، وكان غلاما قد راهق ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله في ظلّ شجرة وعنده قوم من المهاجرين والأنصار ، وجاء زيد فأخبره بما قال عبد الله بن ابي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لعلّك وهمت يا غلام » قال : لا والله ما وهمت. فقال : « لعلّك غضبت عليه » قال : لا والله ما غضبت عليه. قال : « فلعلّه شبّه عليك » قال : لا والله.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لشقران مولاه : « أحدج » (٣) . فأحدج راحلته وركب ، فتسامع الناس بذلك ، فقالوا : ما كان رسول الله صلىاللهعليهوآله ليرحل في مثل هذا الوقت. فرحل الناس ولحقه سعد بن عبادة. فقال : السّلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته. فقال : « وعليك السّلام » فقال : ما كنت لتركب في مثل هذا الوقت ؟ فقال : « أو ما سمعت قولا قال صاحبكم » ؟ قال : وأيّ صاحب لنا غيرك يا رسول الله ؟ قال : « عبد الله بن ابيّ زعم انه ان رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الاذل » فانّك وأصحابك الأعزّ ، وهو وأصحابه الأذلّ.
فسار رسول الله صلىاللهعليهوآله يومه كلّه ، لا يكلّمه أحد ، فأقبلت الخزرج على عبد الله بن ابي يعذلونه ،
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٥٣٨.
(٢) في المصدر : تعيير ، وفي النسخة : تعبير.
(٣) أحدج بعيره : شدّ عليه قتبه بأداته.