ثمّ لمّا كان محبّة المال والولد فتنة وبلاء عظيما أمر سبحانه المؤمنين بإيثار محبة الله على محبّتهما بقوله : ﴿إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ واختبارا وبلاء ومحنة لكم يوقعانكم في معصية الله وعذابه ﴿وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ لمن آثر محبّته على محبّتهما وطاعته على الاشتغال بمصالحهما ، فلا تعصوا الله بسبب حبّهما.
عن امير المؤمنين عليهالسلام قال : لا يقولنّ أحدكم : اللهمّ إنّي أعوذ بك من الفتنة ، لأنّه ليس أحد إلّا وهو مشتمل على فتنة ، ولكن من استعاذ الله فليستعذ من مضلّات الفتن ، فانّ الله يقول : ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾(١) .
وحكى بعض العامة عن ابن مسعود ما يقرب منه (٢) .
في فضيلة الحسنين عليهماالسلام
وعن بعض العامة : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يخطب ، إذ جاء الحسن والحسين عليهماالسلام وعليهما قميصان أحمران ، يمشيان ويعثران ، فنزل صلىاللهعليهوآله من المنبر ، فحملهما ووضعهما بين يديه (٣) .
وفي رواية : وضعهما في حجرة على المنبر وقال : « صدق الله عزوجل ﴿إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم اصبر حتّى قطعت حديثي ورفعتهما » . ثمّ أخذ في خطبته (٤) .
فإذا علمتم أنّ الأزواج والأولاد أعداءكم ، وأنّ المال والولد فتنة لكم ، وأنّ الله عنده أجر عظيم وجنة ونعيم ﴿فَاتَّقُوا اللهَ﴾ واحذروه أن يعذّبكم على مخالفة أحكامه لحبّ المال والولد ﴿مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ ومقدار وسعكم ، ولا ترتكبوا ما يوجب سخطه عليكم ﴿وَاسْمَعُوا﴾ مواعظ الله سماع القبول ﴿وَأَطِيعُوا﴾ أيّها المؤمنون أوامره ونواهيه ﴿وَأَنْفِقُوا﴾ في سبيله ممّا رزقكم لوجهه ، تكن التقوى والسماع والطاعة والانفاق ﴿خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ﴾ وأنفع من الدنيا وما فيها فضلا عن المال والولد.
في ذم البخل والترغيب في الانفاق وثوابه
ثمّ حثّ سبحانه المؤمنين بعد أمرهم بالانفاق إلى ترك البخل بقوله : ﴿وَمَنْ يُوقَ﴾ ويمنع ﴿شُحَّ نَفْسِهِ﴾ وبخلها الكامن فيها من التأثير في المنع عن الانفاق في سبيل الله ﴿فَأُولئِكَ﴾ الرادعون أنفسهم عن البخل ﴿هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ والفائزون بالجنّة ونعيمها.
__________________
(١) نهج البلاغة : ٤٨٣ الحكمة ٩٣ ، تفسير الصافي ٥ : ١٨٥.
(٢-٤) تفسير روح البيان ١٠ : ١٩.