في شرائط قبول التوبة
روى بعض العامة عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه سمع أعرابيا يقول : اللهمّ إنّي استغفرك وأتوب إليك. فقال : « يا هذا : إنّ سرعة اللسان بالتوبة توبة الكذّابين » قال : فما التوبة ؟
قال : « إنّ التوبة يجمعها ستة أشياء : على الماضي من الذنوب الندامة ، وللفرائض الإعادة ، وردّ المظالم ، والاستحلال من الخصوم ، وأن تعزم على أن لا تعود ، وأن تذيب نفسك في طاعة الله كما ربّيتها في المعصية ، وأن تذيقها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعاصي » (١) .
عن الصادق عليهالسلام : أنّه سئل عن هذه الآية ، فقال عليهالسلام : « يتوب العبد من الذنب ثمّ لا يعود فيه » (٢) .
وفي رواية : قيل له : وأيّنا لا يعود ؟ فقال : « إنّ الله يحبّ من عباده المفتّن التوّاب » (٣) .
وعن الكاظم عليهالسلام في هذه الآية ، قال : « يتوب العبد ثمّ لا يرجع فيه ، وأحبّ عباد الله إلى الله : المفتّن التائب » (٤) .
وعن الصادق عليهالسلام : « التوبة النّصوح أن يكون باطن الرجل كظاهره ، بل أفضل » (٥) .
ثمّ بيّن سبحانه فائدة التوبة بقوله : ﴿عَسى رَبُّكُمْ﴾ ويرجى من خالقكم اللطيف بكم ﴿أَنْ يُكَفِّرَ﴾ ويستر ﴿عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ﴾ وخطيئاتكم.
عن الصادق عليهالسلام : « إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبه الله فيستر عليه في الدنيا والآخرة » قيل : وكيف يستر عليه ؟ قال : « ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب ، ويوحي إلى جوارحه : اكتمي عليه ذنوبه ، ويوحي إلى بقاع الأرض : اكتميى ما كان يعمل عليك من الذنوب ، فيلقى الله وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب » (٦) .
﴿وَيُدْخِلَكُمْ﴾ برحمته ﴿جَنَّاتٍ﴾ ذات قصور وأشجار كثيرة ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ قيل: ذكر سبحانه الوعد بصيغة الإطماع جريا على عادة الملوك ، وإشعارا بأنّه تفضّل ، ولأنّ العبد ينبغي أن يكون بين الخوف والرجاء (٧) ، وذلك اللطف بالمؤمنين وإدخالهم الجنّة يكون في يوم القيامة ، وهو يكون ﴿يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ﴾ ولا يفضح ، أو لا يخجل ﴿النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ به حال كونهم ﴿مَعَهُ﴾ ومصاحبه ﴿نُورُهُمْ﴾ وضياء إيمانهم وطاعاتهم كشعاع الشمس ﴿يَسْعى﴾ ويسير بسرعة على الصّراط ﴿بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ وقدّامهم ﴿وَبِأَيْمانِهِمْ﴾ وشمائلهم.
قيل : إنّ المراد من جميع جوانبهم وجهاتهم ، وإنّما اكتفى سبحانه بذكر الجهتين لأنّهما أشرف الجهات ،
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ٦١.
(٢) الكافي ٢ : ٣١٤ / ٣ ، تفسير الصافي ٥ : ١٩٦.
(٣) الكافي ٢ : ٣١٤ / ٤ ، تفسير الصافي ٥ : ١٩٦ ، والمفتّن : الممتحن ، يمتحنه الله بالذّنب ثم يتوب ، ثم يعود ثم يتوب.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٧٧ ، تفسير الصافي ٥ : ١٩٦.
(٥) معاني الأخبار : ١٧٤ / ٣ ، تفسير الصافي ٥ : ١٩٦.
(٦) الكافي ٢ : ٣١٤ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ١٩٧. (٧) تفسير روح البيان ١٠ : ٦٤.