تحقيق في الموت وبيان نكتة تقديمه على الحياة
أقول : ظاهر ما ذكره أنّ الموت المخلوق هو حيوان يشبه الكبش الأملح ، وأثر قربه ورائحته في الشيء الحي هو عروض الموت عليه ، كالسّمّ وسائر الأشياء المهلكة ، وهو غير الموت الذي يعرض للأشياء الحيّة ، فالموت الذي هو من العوارض الوجودية على قول والعدمية على القول الحقّ غير ذلك الموت الذي هو مخلوق وصورته في عالم الصّور والمثال صورة الكبش ، فلا دلالة لكلام ابن عباس على صحّة أحد القولين.
والحقّ أنّ المفهوم من لفظ الموت الذي يكون في قبال الحياة في الاستعمال الشائع ، هو من العدميات التي لها شائبة الوجود ، ويسمّى بالعدم والملكة والعدم المضاف ، وهو يتحقّق بانتفاء علّة الحياة ، فانّ عدم علّة الوجود علّة للعدم ، وقبض ملك الموت الروح من الجسد سبب لطروّ الموت عليه ، ويمكن أن تكون صورته المثاليه البرزخية صورة الكبش الأملح التي يؤتى بها يوم القيامة ، ويذبحه يحيى بن زكريا على رواية (١) .
وهذا المعنى الذي للموت مخلوق بتبع خلق الحياة ، كما أنّ خلق الليل الذي عدم النور فوق الأرض إنّما يكون بتبع خلق النهار ، فانّ ذهاب الشمس من فوق الأرض وعدمها منه علّة لظلمة الليل ، وعليه يكون معنى خلق الموت والحياة جعل الروح في القالب وسلبه منه ، وهذا هو الموت الذي يكون بعد الحياة ، كما عن الباقر عليهالسلام : « أنّ الله خلق الحياة قبل الموت » (٢) . وأمّا الموت الذي هو فقد الحياة وعدمها ، كما يكون للنّطفة وللأرض الميتة ، فهو قبل الحياة.
فتحصّل ممّا ذكر أنّ الموت بالمعنى الأعمّ عدمي صرف لا يحتاج إلى السبب ، وأمّا الموت الذي هو زهاق الروح فهو مسبّب عن ذهاب مقتضى الحياة بنفسه أو وجود ما هو ضدّها ، وعليه يمكن حمل ما عن الباقر عليهالسلام من قوله : « الحياة والموت خلقان من خلق الله ، فاذا جاء الموت فدخل في الانسان ، لم يدخل في شيء إلا خرجت منه الحياة » (٣) وحمل دخول الموت على دخول ما هو مانع الحياة ، وإن كان ظاهره مقررا لما قاله الأشاعرة من أنّ الموت والحياة صفتان وجوديتان مستدلّين عليه بالآية المباركة ، إلّا أن يقال : إنّ اتّصاف الجسم بالموت ( والسكون ) مثلا وتقيّده به أمر وجوديّ كالحياة.
وعلى أي تقدير قيل في وجه تقديم ذكر الموت : إنّ المراد به حال النّطفة والعلقة والمضغة ، وبالحياة نفخ الروح (٤) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٥٥ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٧٥.
(٢) الكافي ٨ : ١٤٥ / ١١٦ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٠٠.
(٣) الكافي ٣ : ٢٥٩ / ٣٤ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٠٠.
(٤) تفسير الرازي ٣٠ : ٥٥.