ثمّ إنّه تعالى بعد بيان أنّ كفار الشياطين لهم عذاب جهنّم ، هدّد جميع الكفّار من الجنّ والإنس به بقوله : ﴿وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ﴾ [ سواء ] كانوا من الشياطين أو الجنّ أو الانس ﴿عَذابُ جَهَنَّمَ﴾ في الآخرة ﴿وَ﴾ هي ﴿بِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ والمرجع لهم.
ثمّ بيّن سبحانه بعض أهوال جهنّم مضافا إلى التعذيب بها بقوله : ﴿إِذا أُلْقُوا﴾ اولئك الكفّار في جهنّم وطرحوا ﴿فِيها﴾ كالحطب الذي يطرح في النار من غير رقّة وترحّم ﴿سَمِعُوا﴾ اولئك الملقون في جهنّم ﴿لَها شَهِيقاً﴾ وصوتا منكرا كصوت الحمار غضبا عليهم ﴿وَهِيَ تَفُورُ﴾ وتغلي غليان القدر بالماء الذي فيه بغاية الشدّة من شدّة التلهّب والتسعّر ، فهم لا يزالون صاعدين فيها وهابطين كالحبّ الذي في الماء المغلي لاقرار لهم فيها.
ثمّ بالغ سبحانه في بيان شدّة غضب جهنّم عليهم بقوله : ﴿تَكادُ﴾ وتقرب جهنّم من أن ﴿تَمَيَّزُ﴾ وتفرّق ﴿مِنَ﴾ شدّة ﴿الْغَيْظِ﴾ والغضب عليهم.
ثمّ بيّن سبحانه حال الملقون فيها بقوله : ﴿كُلَّما أُلْقِيَ﴾ في جهنّم وطرح ﴿فِيها﴾ من الكفرة ﴿فَوْجٌ﴾ وجماعة بدفع الملائكة الذين هم أغيظ عليهم من النار ﴿سَأَلَهُمْ﴾ مالك جهنّم وأعوانه الذين هم موكلون عليها و﴿خَزَنَتُها﴾ بطريق التوبيخ والتقريع أيّها الكفرة ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ﴾ في الدنيا من قبل ربّكم ﴿نَذِيرٌ﴾ ومخوّف لكم من عذاب هذا اليوم وأهواله ؟ ﴿قالُوا﴾ في جواب الخزنه اعترافا بجرمهم واستحقاقهم للعذاب : ﴿بَلى﴾ أيّها الخزنة ﴿قَدْ جاءَنا﴾ في الدنيا من قبل ربّنا ﴿نَذِيرٌ﴾ عظيم الشأن كثير المعجزات ﴿فَكَذَّبْنا﴾ ذلك النذير في دعوى كونه من الله ﴿وَقُلْنا﴾ في ردّ ما كانوا يتلون علينا من الآيات ﴿ما نَزَّلَ اللهُ﴾ ممّا تتلون علينا ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ يسير فضلا عن جميع تلك الآيات الكثيرة أو من شيء من كتاب ورسول ﴿إِنْ أَنْتُمْ﴾ وما نراكم أيّها المدّعون للرسالة ﴿إِلَّا﴾ منغمرين ﴿فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ﴾ ومنحرفين عن طريق واضح عند عامة العقلاء في دعواكم الرسالة ، وكون ما تتلون علينا من جانب الله ﴿وَقالُوا﴾ تحسّرا وتندّما : إنا ﴿لَوْ كُنَّا﴾ في الدنيا ﴿نَسْمَعُ﴾ مواعظ الرّسل سماع القبول ﴿أَوْ نَعْقِلُ﴾ امتناع الشرك ووجوب بعث الرسول وجعل دار الجزاء على الله ، وبراهين الأنبياء على التوحيد ، وسائر ما جاءوا به ﴿ما كُنَّا﴾ اليوم ﴿فِي﴾ زمرة ﴿أَصْحابِ السَّعِيرِ﴾ ومستحقي العذاب.
قيل : كأنّ الخزنة قالوا لهم في تضاعيف توبيخهم : ألم تسمعوا آيات ربّكم من ألسنة الرّسل ، ولم تعقلوا معانيها ؟ قالوا في جوابهم ذلك (١) ﴿فَاعْتَرَفُوا﴾ في جواب الخزنة اضطرارا لما رأوا أنّه
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ٨٥.