للفقراء ، فلمّا مات ورثها بنوه ، ثمّ قالوا : عيالنا كثير والمال قليل ، ولا يمكننا أن نعطي المساكين مثل ما كان أبونا يعطي (١) .
وقيل : كانت الضيعة باليمن ، وكان أصحاب الجنّة بخلاء ، وكان أبوهم يأخذ منها قوت سنة ويتصدّق بالباقي ، وكان ينادي الفقراء وقت الصّرام ، ويترك لهم ما أخطأه المنجل ، وما في أسفل الأكداس ، وما أخطأه القطاف من العنب ، وما بقي على البساط الذي يبسط تحت النخل إذا اصرمت ، وكان ذلك بعد رفع عيسى عليهالسلام بقليل ، وكان يبقى لهم مع ذلك شيء كثير ، ويتزوّدون به أياما كثيرة ، فلمّا مات أبوهم قال بنوه : إن فعلنا ما كان أبونا يفعل ضاق الأمر علينا ونحن اولو عيال (٢) .
وعلى كلّ تقدير كان وقت ابتلائهم ﴿إِذْ أَقْسَمُوا﴾ وحين حلفوا ﴿لَيَصْرِمُنَّها﴾ ويقطعنّ ثمر نخلهم وأعنابهم وزروعهم وقت كونهم ﴿مُصْبِحِينَ﴾ ودخولهم في الصباح وظلمة الليل باقية وقبل اطّلاع الفقراء على جمعهم الثمار ﴿وَلا يَسْتَثْنُونَ﴾ ولا يقولون إن شاء الله على دأب أهل الايمان ﴿فَطافَ﴾ على الجنّة ونزل ﴿عَلَيْها﴾ في الليل ﴿طائِفٌ﴾ وبلاء محيط بثمارها ﴿مِنْ﴾ جانب ﴿رَبِّكَ﴾ بحيث لم يبق من الثمار شيء ﴿وَهُمْ﴾ في بيوتهم ﴿نائِمُونَ﴾ وغافلون عمّا نزل بهم وبثمارهم ﴿فَأَصْبَحَتْ﴾ الجنّه وصارت بنزول البلاء والنار فيها ﴿كَالصَّرِيمِ﴾ ومثل الجنة التي قطعت واقتطفت ثمارها بالكلّ. وقيل : يعني صارت سوداء كالليل لاحتراقها بالنار (٣) .
﴿فَتَنادَوْا﴾ وصاح بعضهم ببعض لمّا قاموا من النوم وصاروا ﴿مُصْبِحِينَ﴾ وداخلين في الصباح على حسب تواعدهم وقالوا : ﴿أَنِ اغْدُوا﴾ يا إخواننا واخرجوا في أول الصبح وأقبلوا ﴿عَلى حَرْثِكُمْ﴾ واقتطاف ثمار ضيعتكم وجنّتكم ﴿إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ﴾ وعازمين على قطعها وجمعها ﴿فَانْطَلَقُوا﴾ وذهبوا إلى حرثهم ﴿وَهُمْ يَتَخافَتُونَ﴾ ويقولون بطريق السرّ لئلّا يسمع المساكين قولهم ﴿أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ﴾ الذي هو يوم جمع الثمار ﴿عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ﴾ واحد فضلا عن الكثير ﴿وَغَدَوْا﴾ ومشوا بكرة ﴿عَلى﴾ حال ﴿حَرْدٍ﴾ ومنع شديد عن الفقراء ثمار جنّتهم حال كونهم ﴿قادِرِينَ﴾ على نفعهم بزعمهم ، أو على اجتناء ثمار الجنّة بحسبانهم.
﴿فَلَمَّا﴾ دخلوا الجنة و﴿رَأَوْها﴾ محترقة مسودّة لا ثمار فيها أقبل بعضهم على بعض ﴿قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ﴾ ومنحرفون عن طريق جنّتنا ودخلنا غيرها فلما تأملوها ووقفوا على خصوصيات الجنة وعلائمها قالوا ما نحن بضالين ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ عن نفعها ممنوعون عن ثمارها ببخلنا وسوء
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٨٧.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ١١٤.
(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ٨٨.