لَيَصْرِمُنَّها﴾ إلى قوله ﴿وَهُمْ نائِمُونَ﴾(١)
وعن القمي ، عن ابن عباس ، أنّه قيل له : إنّ قوما من هذه الامّة يزعمون أنّ العبد قد يذنب الذنب فيحرم به الرزق. فقال ابن عباس : فو الله الذي لا إله إلّا هو ، لهذا أنور في كتاب الله من الشمس الضاحية ، ذكر الله في سورة ﴿ن وَالْقَلَمِ﴾ أنّ شيخا كانت له جنّة ، وكان لا يدخل بيته ثمرة ولا إلى منزلة حتّى يعطي كلّ ذي حقّ حقّه ، فلمّا قبض الشيخ ورثه بنوه ، وكان له خمس من البنين ، فحملت جنّته في تلك السنة التي هلك فيها أبوهم حملا لم تكن حملت قبل ذلك ، فراحوا الفتية إلى جنّتهم بعد صلاة العصر ، فأشرفوا على ثمرة ورزق فاضل لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم ، فلمّا نظروا إلى الفضل طغوا وبغوا ، وقال بعضهم لبعض : إنّ أبانا كان شيخا كبيرا قد ذهب عقله وخرف ، فهلّموا فلنتعاقد عهدا فيما بيننا أن لا نعطي أحدا من فقراء المسلمين في عامنا هذا شيئا حتى نستغني وتكثر أموالنا ، ثمّ نستأنف الضيعة فيما نستقبل من السنين المقبلة ، فرضي بذلك أربعة وسخط الخامس ، وهو الذي قال الله تعالى : ﴿قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ﴾.
فقيل : يابن عباس ، كان أوسطهم في السنّ ! فقال : لا ، بل كان أصغرهم سنا وأكبرهم عقلا ، وأوسط القوم خير القوم ، قال الله تعالى : ﴿وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾(٢) .
فقال لهم أوسطهم ، اتّقوا الله ، وكونوا على منهاج أبيكم تسلموا وتغنموا ، فبطشوا به وضربوه ضربا مبرّحا ، فلمّا أيقن الأخ أنهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارها لأمرهم غير طائع ، فراحوا إلى منازلهم. ثمّ حلفوا بالله : أن يصرموها إذا أصبحوا ، ولم يقولوا إن شاء الله ، فابتلاهم الله بذلك الذنب ، وحال بينهم وبين ذلك الرزق الذي كانوا أشرفوا عليه ، فأخبر عنهم في الكتاب وقال : ﴿إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ* وَلا يَسْتَثْنُونَ* فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ* فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾ قال : كالمحترق.
فقيل لابن عباس : ما الصريم ؟ قال : الليل المظلم ، ثمّ قال : لا ضوء به ولا نور.
فلمّا أصبح القوم تنادوا مصبحين ﴿أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ﴾ قال : ﴿فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ﴾.
قيل : وما التخافت يابن عباس ؟ قال : يتسارّون ، يسارّ بعضهم بعضا لئلّا يسمع أحد غيرهم فقالوا : ﴿لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ* وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ﴾ وفي أنفسهم أن يصرموها ، ولا يعلمون ما حلّ بهم من سطوات الله ونقمته ﴿فَلَمَّا رَأَوْها﴾ وعاينوا ما حلّ بهم ﴿قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ
__________________
(١) الكافي ٢ : ٢٠٨ / ١٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٢١٢.
(٢) البقرة : ٢ / ١٤٣.