الشَّمْسَ سِراجاً * وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها
وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً * وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً * لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً
فِجاجاً * قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ
خَساراً * وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً * وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا
سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً (١٥) و (٢٤)﴾
ثمّ بالغ نوح بعد الاستدلال على عظمة الله بدليل الأنفس في إثبات عظمة الله بدلائل الآفاقية بقوله : ﴿أَلَمْ تَرَوْا﴾ يا قوم ، ولم تشاهدوا ﴿كَيْفَ خَلَقَ اللهُ﴾ وأبدع بقدرته ﴿سَبْعَ سَماواتٍ﴾ عظيمة حال كونها ﴿طِباقاً﴾ وقببا بعضها فوق بعض ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ﴾ المنير ﴿فِيهِنَّ نُوراً﴾ لأهل الأرض في ظلمة الليل.
عن ابن عباس رضوان الله عليه : أنّ الشمس والقمر والنجوم وجوهها ممّا يلي السماء ، وظهورها مما يلي الأرض (١) .
﴿وَجَعَلَ الشَّمْسَ﴾ التي في السماء الرابعة ﴿سِراجاً﴾ لأهل الدنيا ، يزيل بضيائها ظلمة الأرض ، كما يبصر أهل البيت بنور السّراج ما يحتاجون إلى رؤيته ﴿وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ﴾ وأنشأكم ﴿مِنَ﴾ تراب ﴿الْأَرْضِ﴾ بواسطة إنشاء آدم منه ، أو بواسطة الأغذية المتكوّنة من التراب والماء ﴿نَباتاً﴾ وإنشاء عجيبا ، وإنّما عبّر عن الخلق بالإنبات لقوة دلالته على الحدوث ﴿ثُمَ﴾ بعد إنباتكم من الأرض ﴿يُعِيدُكُمْ فِيها﴾ بالإقبار بعد الموت ﴿وَيُخْرِجُكُمْ﴾ منها عند البعث والحشر ﴿إِخْراجاً﴾ محقّقا لاريب فيه للمحاسبة والمجازاة على الأعمال ﴿وَاللهُ﴾ العظيم القادر ﴿جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ﴾ البسيطة ﴿بِساطاً﴾ وفراشا واسعا تتقلّبون عليها كتقلبكم على البسط ﴿لِتَسْلُكُوا﴾ وتستطرقوا ﴿مِنْها سُبُلاً﴾ وطرقا ﴿فِجاجاً﴾ ومتّسعات تمشون فيها ذهابا وإيابا.
﴿قالَ نُوحٌ﴾ بعد تلك المناجاة الطويلة وبيان كيفية دعوته : ﴿رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي﴾ وأصرّوا على مخالفتي ومعارضتي ﴿وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ﴾ إلّا بطرا ﴿وَوَلَدُهُ﴾ إلّا غرورا ، وليس نتيجة ذلك البطر والغرور ﴿إِلَّا خَساراً﴾ وضررا عظيما في الآخرة ، فانّ الضعفاء رأوا أنّ اتّباعهم لجاههم وعزّهم بين الناس أولى وأنفع لهم من اتّباعي ، وأمّا الرؤساء [ فقد ] احتالو ﴿وَمَكَرُوا﴾ في الاخلال بأمر رسالتي ﴿مَكْراً كُبَّاراً﴾ واحتيالا عظيما بأن حرّضوا أتباعهم على سبّي وضربي وإيذائي ﴿وَقالُوا﴾
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ١٧٨.