﴿بِرَبِّنا أَحَداً﴾ من خلقه وشيئا من مصنوعاته.
روي أنّه جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال له : كنّا في سفر ، فاذا نحن بحيّة جريحة تتشحّط في دمها ، فقطع رجل منّا قطعة من عمامته فلفّها فيها فدفنها ، فلمّا أمسينا ونزلنا أتتنا امرأتان من أحسن نساء الجنّ فقالتا : أيّكم صاحب عمرو ؟ وأي الحيّة التيى دفنتموها. فأشرنا لهما إلى صاحبها ، فقالتا : إنّه كان آخر من بقي ممّن استمع القرآن من رسول الله صلىاللهعليهوآله كان بين كافري الجن ومسلميهم قتال فقتل فيهم ، فان كنتم أردتم به الدنيا ثوبناكم ؟ فقلنا : لا ، إنّما فعلنا ذلك لله. فقالتا : أحسنتما وذهبتا (١) .
﴿وَأَنَّهُ تَعالى﴾ وارتفع ﴿جَدُّ رَبِّنا﴾ وعظمته ، أو غناه ﴿مَا اتَّخَذَ﴾ وما اختار لنفسه ﴿صاحِبَةً﴾ وزوجة ﴿وَلا وَلَداً﴾ ابنا كان أو بنتا لكمال تعاليه عن الحاجة ، فانّ اتخاذ المصاحبة لا يكن إلّا للحاجة إليهما ، ولا يتّخذ الولد إلّا لبقاء النسل والاستعانة به ، وهما ينافيان الغنى المطلق ووجوب الوجود ﴿وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا﴾ وخفاف العقول منّا ، كابليس وغيره من المردة جرأة ﴿عَلَى اللهِ﴾ العظيم القهّار قولا ﴿شَطَطاً﴾ وبعيدا عن الحقّ ، ومتجاوزا عن حدّ العقل ، وهو القول بأنّ الملائكة بنات الله أو عيسى أو العزير ابن الله ، ثمّ اعتذروا عن اتّباعهم السفيه في القول بقولهم : ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا﴾ واعتقدنا ﴿أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُ﴾ من عند أنفسهم ﴿عَلَى اللهِ﴾ قولا ﴿كَذِباً﴾ أبدا ، ولذا اتّبعناهم في القول بأنّ لله ولدا ، ولمّا سمعنا القرآن تبيّن لنا كذب هذا القول ﴿وَأَنَّهُ كانَ﴾ قبل ذلك ﴿رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ﴾ ويلتجئون ﴿بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ﴾ قيل كان الرجل من العرب إذا امسى في واد قفر في بعض مسائره ، وخاف على نفسه يقول : أعوذ بسيد هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه ، يريد الجنّ وكبيرهم ، فيبيت في أمن وجوار حتى يصبح ، فاذا سمعوا ذلك استكبروا وقالوا : سدنا الانس والجنّ (٢)﴿فَزادُوهُمْ﴾ اولئك الإنس ﴿رَهَقاً﴾ وعتوا وسفها.
وعن الباقر عليهالسلام في هذه الآية قال : « كان الرجل ينطلق إلى الكاهن الذي يوحي إليه الشيطان فيقول : قل لشيطانك : فلان قد عاذ بك » (٣) .
وقيل : إن رجالا من الإنس يعوذون برجال من الجنّ خوفا من أن يغشاهم الجنّ ، فزادت الجنّ في غشيانهم ، بمعنى أنّ الجنّ لمّا رأوا أنّ الإنس يتعوّذون بهم ولا يتعوّذون بالله ، استذلّوهم واجترءوا عليهم فزادوهم ظلما (٤) .
قيل : إنّ المعنى فزاد الجن العائذين غيا بان أضلّوهم حتى استعاذوا بهم ، وإذا استعاذوا بهم فآمنوا
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ١٨٩.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ١٩١.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٣٨٩ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٣٤.
(٤) تفسير الرازي ٣ : ١٥٦.