تحرق من قرب من السماء ﴿وَأَنَّا كُنَّا﴾ قبل هذا اليوم نصعد إلى السماء و﴿نَقْعُدُ مِنْها﴾ بعد صعودنا إليهما ﴿مَقاعِدَ﴾ خالية من الملائكة الحفظة ﴿لِلسَّمْعِ﴾ واستراق الأخبار من الملائكة ﴿فَمَنْ يَسْتَمِعِ﴾ الأخبار منّا ﴿الْآنَ﴾ وفي هذا الزمان في مقعد من المقاعد ومرصد من المراصد ﴿يَجِدْ لَهُ﴾ ويصيب لنفسه ﴿شِهاباً﴾ وشعلة نار تحرقه وملكا يكون له ﴿رَصَداً﴾ وقاعدا في المكمن ليرجم بالشهاب.
وقيل : يعني شهابا راصدا له ، فالرصد بمعنى الراصد ، وتوصيف الشهاب به من باب التنزيل والمشابهة (١) .
عن عائشة ، عن النبي صلىاللهعليهوآله : « أنّ الملائكة تنزل في السّحاب ، فتذكر الأمر الذي قضي في السماء ، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه ، فتوحيه (٢) إلى الكهّان ، فيكذّبون معه مائة كذبة من عند أنفسهم » (٣) .
وعن الصادق عليهالسلام - في حديث - قال : « وأمّا أخبار السماء فانّ الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك ، وهي لا تحجب ولا ترجم بالنجوم ، وإنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي من خبر السماء [ فيلبس على أهل الأرض ما جاءهم عن الله ، لاثبات الحجة ، ونفي الشبهة. وكان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء ] ممّا يحدث من الله في خلقه ، فيختطفها ثمّ يهبط بها إلى الأرض ، فيقذفها إلى الكاهن ، فاذا قد زاد كلمات من عنده ، فيخلط الحقّ بالباطل ، فما أصاب الكاهن من خبر ممّا كان يخبر به فهو ما أبداه إليه شيطانه ممّا سمعه ، وما أخطأه فيه فهو من باطل ما زاد فيه ، فمذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة»(٤).
وعن ابن عباس قال : كان الجنّ يصعدون إلى السماء فيستمعون الوحى ، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعا ، أما الكلمة فانّها تكون حقّه ، وأما الزيادات فتكون باطلة. فلمّا بعث النبي صلىاللهعليهوآله منعوا مقاعدهم ، ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك. فقال إبليس : ما هذا إلّا لأمر حدث في الأرض ، فبعث جنوده فوجدوا رسول الله صلىاللهعليهوآله قائما يصلّي (٥) الخبر.
وعن ابي بن كعب : أنّه لم يرم بنجم منذ رفع عيسى حتّى بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله فرمى بها ، [ فرأت ] قريش أمرا ما رأوه قبل ذلك (٦) .
أقول : لا يخفى أنّ الآيات الدالة على أنّ النجوم جعلت رجوما للشياطين ، وإن كانت كثيرة ، إلّا أنه
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ١٥٧.
(٢) في النسخة : فيوقيه.
(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ١٩٣.
(٤) الاحتجاج : ٣٣٩ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٣٥.
(٥و٦) تفسير الرازي ٣٠ : ١٥٨.